اعتبار بشأنها أصلا ، والأكثر إنّما هو من هذا القبيل ، كما سنوضّح إن شاء الله.
القرآن ولغة التحريف
لم يستعمل القرآن لفظ التحريف في سوى معناه اللغوي ، أي التصرّف في معنى الكلمة وتفسيرها على غير وجهها المعبّر عنه بسوء التأويل أو التفسير بالرأي. وهو تحريف معنوي ليس سواه.
وقد أسبقنا الكلام عن قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١) قوله : (عَنْ مَواضِعِهِ) أي بعد أن كان الكلام مستعملا في معناه الحقيقي الظاهر فيه بنفسه أو المستعمل فيه بدلالة القرائن المعهودة ، فجاء التحريف بعد ذلك خيانة في أمانة الأداء والبلاغ. وفي قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (٢) تصريح بهذا المعنى ، حيث التحريف إزاحة للّفظ عن موضعه الذي هو معناه.
وفي سورة البقرة : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) (٣) أي جاء تحريف المعنى إلى ما أرادوه بعد علمهم بالمعنى الحقيقي المراد الذي كان على خلاف مصالحهم فيما زعموا.
ومن ثمّ فهو من سوء التأويل كما عبّر عنه الطبرسي ومن قبله الشيخ في التبيان. قال : فالتحريف يكون بأمرين : بسوء التأويل وبالتغيير والتبديل. (٤) أي بتغيير لهجة الكلام بحيث يتغيّر المعنى بذلك ، كما جاء في سورة آل عمران ٣ : ٧٨.
وقال الشيخ محمد عبده : من التحريف تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وضع له ، وهو المتبادر ، لأنّه هو الذي حملهم على مجاحدة النبي صلىاللهعليهوآله وإنكار نبوّته. ولا يزالون يؤوّلون البشارات إلى اليوم. (٥) أي المتبادر من لفظ التحريف في هذه الآيات هو
__________________
(١) ـ النساء ٤ : ٤٦ ؛ المائدة ٥ : ١٣.
(٢) ـ المائدة ٥ : ٤١.
(٣) ـ البقرة ٢ : ٧٥.
(٤) ـ التبيان ، ج ٣ ، ص ٤٧٠.
(٥) ـ المنار ، ج ٥ ، ص ١٤٠.