توجد عنده نسخة من الكتب المقدّسة أو يقوم بمراسيم الشريعة فسوف يقتل. وأجرى التحقيق (التفتيش) كلّ شهر ، فكان يقتل من وجدت عنده نسخة من الكتاب أو يقوم بأداء مراسيم الشريعة. ودام ذلك ثلاث سنين وستة أشهر.
وقد ذكر تفصيل هذا الحادث المورّخ اليهودي «يوسيفوس» وتقدّم كلام «جان ملنركاتلك» : اتّفق أهل العلم على أنّ نسخ التوراة ونسخ العهد العتيق ضاعت على أيدي عساكر «بخت نصّر». ولمّا ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة «عزرا» ضاعت تلك النقول أيضا في حادثة «انطوخيوس». (١)
وهكذا في عام (٣٧ بعد الميلاد) قام الإمبراطور الآخر «طيطوس» بهدم البيت المقدّس وإحراق ما وجد فيه من الكتب المقدّسة ، فقتل من اليهود ما ينوف على مليون نسمة في كلّ أرجاء البلاد ، قتلا بالسيف أو صلبا بالمشانق. وأسر الذراري ما يقرب من مائة ألف وباعهم في مختلف البلدان. أمّا البقية الباقية في أرض يهوذا فماتوا جوعا وخوفا من سلطان الروم. هكذا ذهبت بقية آثار القوم أدراج الرياح. (٢)
سلسلة أسناد التوراة مقطوعة
وبعد ، فإنّ الحوادث الجمّة التي مرّت على تاريخ العهد القديم ، فقد قضت على مزعومة : احتمال بقاء التوراة سليمة طول خمسة وثلاثين قرنا ، منذ عهد نبيّ الله موسى عليهالسلام (١٥٠٠ ق. م) فإلى الآن وهي نهاية القرن العشرين للميلاد (١٩٨٨).
قال سيّدنا الطباطبائي رحمهالله : الحوادث التي مرّت على التوراة وكتب العهد القديم لم تدع مجالا للشكّ في كونها مقطوعة الأسناد. وإنّما ينتهي سندها إلى شخص واحد (عزرا) من غير أن يعرف مستنده في النقل أو منابع اطّلاعه في الجمع والتحقيق. فكان مغبّة هذا التوتّر الفاضح أن دعا بأهل التحقيق من علماء الغرب أن يرموا هذه الكتب بالضعف
__________________
(١) ـ أنيس الأعلام ، ج ٣ ، ص ١٧٦ وص ١٩ أيضا وج ٢ ، ص ٢٩ ـ ٣٠.
(٢) ـ ذكره «يوسيفوس» في تاريخ اليهود بتفصيل. بنقل أنيس الأعلام ، ج ٣ ، ص ١٧٧ وج ٢ ، ص ٣١.