يعرضه فساد أو نقض لا في حاضره ولا في مستقبل الأيّام. وذلك لأنّه تنزيل من لدن حكيم عليم ، وأنّ حكمته تعالى لتبعث على ضمان حفظه وحراسته مع أبديّة الإسلام. «حميد» : من كان محمودا على فعاله ، فلا يخلف الميعاد.
ويسبق هذه الآية قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). (١) قرينة على أنّه صلىاللهعليهوآله كانت تتضوّر نفسه الكريمة تلهّفا على إمكان إبطال شريعته على يد أهل الفساد ، إمّا في حياته أو بعد وفاته (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) ، (٢) وفي هذه الآية أيضا تلميح إلى بقاء هذا الدين وضمان سلامته عن كيد الأعداء.
وقد اعترف الخصم بأنّ مطلق التغيير في القرآن يعدّ باطلا وتنافيا مع ظاهر الآية الكريمة. سوى أنّ المقصود غير هذا المعنى! قال : لأنّ المقصود هو البطلان الحاصل من تناقض أحكامه وتكاذب أخباره. (٣)
قلت : لعلّه لم يتنبّه لموضع قوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ ...). والباطل الذي يمكن إتيانه للكتاب هو تناول يد المحرّفين (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ). (٤)
أمّا التناقض والتكاذب في أحكامه وإخباراته فهو من الباطل المنبعث من الداخل ، وقد نفاه تعالى أيضا بقوله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). (٥)
ومن ثمّ أطبق المفسّرون على أنّ آية نفي الباطل هي من أصرح الآيات دلالة على نفي احتمال التحريف من الكتاب ، فلا تناله يد مغيّر أبدا.
٦ ـ العرض على كتاب الله
وأيضا من الدلائل على ردّ شبهة التحريف هي مسألة عرض الأحاديث على كتاب
__________________
(١) ـ فصّلت ٤١ : ٣٦.
(٢) ـ آل عمران ٣ : ١٤٤.
(٣) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٦١.
(٤) ـ الحجر ١٥ : ٩١.
(٥) ـ النساء ٤ : ٨٢.