قال : فصحّ أنّ الآيات التي ذهبت ، لو امر رسول الله صلىاللهعليهوآله بتبليغها لبلّغها ، ولو بلّغها لحفظت وما ضرّها موته ، كما لم يضرّ موته كلّ ما بلّغ من القرآن. وإن كان لم يبلّغ أو بلّغه فانسيه هو والناس أو لم ينسوه لكن لم يأمر عليهالسلام أن يكتب في القرآن ، فهو منسوخ بيقين ، من عند الله تعالى ، لا يحلّ أن يضاف إلى القرآن. (١)
هذه جلّ محاولات القوم في توجيه منسوخ التلاوة دون الحكم.
غير أنّ أثر الوهن باد عليها بوضوح :
أوّلا : لا شكّ أنّ رجم المحصن حكم ثابت في الشريعة وأمر به رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يزل عليه إجماع الفقهاء في القديم والحديث.
أمّا أنّ شريعة الرجم نزلت آية من القرآن ، فهذا وهم وهمه ابن الخطاب ، ولم يوافقه على هذا الرأي أحد من الصحابة رغم إصراره عليه ، وسيأتي شرحه.
يحدّثنا زيد بن ثابت ، يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة». والمراد من الشيخ والشيخة هما الثيّب والثيّبة ، كناية عن المتزوّج والمتزوّجة أي المحصن. فهذا حديث سمعه زيد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يقل أنّه قرآن.
لكن ابن الخطاب زعمه وحيا قرآنيا ، يقول : لمّا نزلت أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلت : اكتبنيها. فلم يجبه رسول الله. قال راوي الحديث : كأنّه كره ذلك. (٢)
قلت : لعلّ رسول الله صلىاللهعليهوآله استغرب اقتراح عمر آنذاك الناشىء عن عدم تدبّره اللائق بشأن الكتاب ، أو عدم إلمامه بمواضع الكتاب من السنّة ، ومن ثمّ سكت تأنيبا له.
وأسوء منه ما فهمه ابن حزم من هذا الحادث ، فحمل كراهته صلىاللهعليهوآله على عدم رغبته في الثبت في المصحف. وإذا كان حكما قرآنيا ثابتا في الشريعة فلما ذا لا يثبت سنده في الكتاب؟ الأمر الذي تغافله ابن حزم ، وحبّ الشيء يعمي ويصمّ!
ثانيا : لا نسخ في غير الأحكام ـ كما سلف ـ فضلا عن عدم فائدة متوخّاة من وراء هذا النسخ غير المعقول ، إذ ما هي الحكمة في نسخ آية فيبقى حكمها ثابتا بلا مستند مع
__________________
(١) ـ المحلّى ، ج ١١ ، ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦.
(٢) ـ المصدر ، ص ٢٣٥.