ثم افترقت الفلاسفة القائلون بلا تناهي الانقسامات فرقتين ، منهم من جعل قبول الانقسام مفتقرا إلى الهيولي ، ومنهم من منع ذلك ، وأما ما نسب إلى النجار ، وضرار (١) ، من المعتزلة ، من أن الجسم مؤلف من محض الأعراض ، من الألوان ، والطعوم ، والروائح ، وغير ذلك ، فضروري البطلان. والذي يعتبر به من المذاهب في حقيقة الجسم ثلاثة :
الأول : للمتكلمين أنه من الجواهر الفردة ، المتناهية العدد.
الثاني : للمشاءين من الفلاسفة ، أنه مركب من الهيولي والصورة.
الثالث : للاشراقيين منهم أنه في نفسه بسيط كما هو عند الحس ليس فيه تعدد أجزاء أصلا ، وإنما يقبل الانقسام بذاته ، ولا ينتهي إلى حد لا يبقى له قبول الانقسام ، كما هو شأن مقدورات الله تعالى. وكأنه وقع اتفاق الفرق على ثبوت مادة يتوارد عليها الصور والأعراض ، إلا أنها عند الاشراقيين (٢) نفس الجسم ، يسمى من حيث قبول المقادير مادة وهيولى ، والمقادير من حيث الحلول فيه صورا ، وعند
__________________
(١) هو ضرار بن عمرو القاضي معتزلي جلد له مقالات خبيثة. قال يمكن أن يكون جميع من يظهر الاسلام كفارا في الباطن لجواز ذاك على كل فرد منهم في نفسه. قال المروزي ، قال أحمد بن حنبل. شهدت على ضرار عند سعيد بن عبد الرحمن الجمحي القاضي فأمر بضرب عنقه فهرب وقيل : إن يحيى بن خالد البرمكي أخفاه. قال ابن حزم كان ضرار ينكر عذاب القبر. ذكره العقيلي في الضعفاء ، وذكره ابن النديم في الفهرست وذكر له ثلاثين كتابا فيها الرد على المعتزلة والخوارج والروافض ، ولكنه كان معتزليا له مقالات ينفرد بها وقال ابن حزم خالف المعتزلة في خلق الافعال وفي القدرة وكان يقول إن الاجسام انما هي اعراض مجتمعة. راجع لسان الميزان ج ٣ ص ٢٠٣
(٢) الاشراق في اللغة : الإضاءة والإنارة ، يقال : أشرقت الشمس طلعت وأضاءت ، وأشرق وجهه أي أضاء. والاشراق في اصطلاح الحكماء هو ظهور الأنوار العقلية ولمعانها وفيضانها على الأنفس الكاملة عند التجرد عن المواد الجسمية (راجع حكمة الاشراق ، طبعة كورين طهران ١٩٥٢ ص ٢٩٨) وتختلف حكمة الاشراق عند الفلسفة الأرسطية بأنها مبنية على الذوق والكشف والحدس ، في حين أن الفلسفة الارسطية مبنية على الاستدلال والعقل واكتساب النفس للمعرفة في فلسفة ابن سينا لا يتم بالاحساس ولا بالخيال ولا بالوهم ، بل يتم بالعقل ، وأعلى درجات العقل الإنساني العقل المستفاد الذي يتلقى الاشراق من العقل الفعال. راجع كتاب الشفاء لابن سينا ص ٣٥٦