العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال أحمد بن طاهر : قال : حدّثنا محمد بن يحيى (١) بن سهل الشيباني ، قال : أخبرنا علي بن الحارث عن سعيد بن منصور الجواشيني ، قال : أخبرنا أحمد ابن علي البديلي ، قال : أخبرني أبي عن سدير الصيرفي ، قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق ، بلا جيب مقصّر الكمّين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحري ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عارضيه ، وأبلى الدموع محجريه وهو يقول : سيدي غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليّ مهادي ، وابتزت مني راحة فؤادي ، سيدي غيبتك وصلت مصابي بفجايع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد ، فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلّا مثل ما بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير : فاستطالت عقولنا ولها ، وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل ، وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة ، أو حلّت من الدهر به تابعة ، فقلنا : لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك ، من أي حادثة تشرق دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة عليك حتمك هذا المأتم؟
قال : فزفر الصادق عليهالسلام زفرة انتفخ منها جوفه واشتدّ منها خوفه وقال : ويلكم ، نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خصّ الله به محمدا والأئمة من بعده عليهمالسلام ، وتأملت فيه مولد غائبنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الإسلام عن أعناقهم الذي قال الله جل ذكره (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (٢) يعني الولاية ، فأخذتني الرقة واستولت عليّ الأحزان ، فقلنا : يا ابن رسول الله كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.
قال : إن الله تبارك وتعالى أدار في القائم منّا ثلاثة ، أدارها في ثلاثة من الرّسل : قدر مولده تقدير مولد موسى ، وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى عليهالسلام ، وقدر ابطائه ابطاء نوح عليهالسلام ، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح الخضر عليهالسلام دليلا على عمره ، فقلنا : اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني؟ قال عليهالسلام : أما مولد موسى عليهالسلام فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة ودلّوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل ، ولم يزل يأمر أصحابه بشق
__________________
(١) في المصدر : بحر.
(٢) الاسراء : ١٣.