قبره (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ). (١)
الثامن : العياشي بإسناده عن سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدّنيا وأول يوم من الآخرة مثل له ما له وولده وعمله ، فيلتفت إلى ما له فيقول : والله إني كنت عليك لحريصا شحيحا ، فما عندك؟ فيقول : خذ مني كفنك ، فيلتفت إلى ولده فيقول إني والله كنت لكم محبا ، وإني كنت عليكم لمحاميا ، فما ذا عندكم؟ فيقولون : نوديك إلى حفرتك ونواريك فيها ، فيلتفت إلى عمله فيقول : والله إني كنت فيك لزاهدا ، وإن كنت عليّ لثقيلا فما عندك؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حين أعرض أنا وأنت على ربك ، فإن كان لله وليا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم رياشا ، فيقول : أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ، قدمت خير مقدم ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح، ارتحل من الدّنيا إلى الجنة ، وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجّله ، فإذا أدخل قبره أتاه اثنان هما فتّانا القبر يجرّان أشعارهما ، ويبحثان الأرض بأنيابهما ، أصواتهما كالرعد العاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف ، ثم يقولان : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : الله ربي ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، فيقولان : ثبّتك الله فيما تحب وترضى ، وهو قول الله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٢) ثم يفسحان له في قبره مدّ بصره ، ثم يفتحان له بابا إلى الجنة ، ثم يقولان له : نم قرير العين نوم الشاب الناعم ، فإنّه يقول الله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).
وأما إن كان لربه عدوا فإنه يأتيه أقبح من خلق الله رياشا وأنتنهم ريحا فيقول : أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم ، وإنه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يحبسه ، فإذا أدخل في قبره أتاه ممتحنا القبر ، فألقيا أكفانه ثم قالا له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : ما أدري ، فيقولان : لا دريت ولا هديت ، فيضربان يافوخه بمزربة ضربة ما خلق الله من دابة إلا تذعر لها ما خلا الثقلين ، ثم يفتح له بابا إلى النار ، ثم يقولان له : نم بشرّ حال ، فإنه من الضيق مثل ما في القناة من الزج (٣) حتى إن دماغه ليخرج ما بين ظفره ولحمه ، ويسلّط الله عليه حيات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره ، وإنّه ليتمنّى قيام الساعة مما هو فيه من الشر(٤).
قال جابر قال أبو جعفر : قال النبي صلىاللهعليهوآله : إني كنت لأنظر إلى الغنم والإبل وأنا أرعاها وليس من نبيّ إلّا وقد رعى ، فكنت أنظر إليها قبل النبوة وهي متمكنة في المكينة ما حولها شيء ينشرها حي ،
__________________
(١) تفسير العياشى ٢ / ٢٢٦ ح ١٨.
(٢) ابراهيم : ٢٧.
(٣) الزج : بالضم ، الحديدة التي في أسفل الرمح.
(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٧ ح ٢٠.