بالقول أو أن يُشرِّعوا من قِبَل أنفسهم ، إذ ليس لهم إلّا الاستماع إلى الوحي وانتظاره ، وقد انتظر الرسولُ صلىاللهعليهوآلهوسلم الوحيَ في تغيير القبلة مدّة ستّة شهر أو سبعة حتّى نزل قوله تعالى : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (١).
أمّا التشاور فهو أبعدُ ما يكون عن أن يتولّد منه حكم شرعيّ ، ذلك أنّ لله الدين الخالص وليس لغيره فيه من شيّ ، كما قال جلّ جلاله : (يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للهِ) (٢). من هنا يكون قول الحقّ تعالى : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) دالاًّ على المشاورة في الموضوعات الخارجية وشئون الحياة اليومية ، والمواقف العملية من بعض الحوادث ، كالموقف في الحرب ومواجهة مكائد الأعداء وإمكانيّات سبل السلام ، وما إليها.
وهذه المشاورة ذات ثمرات صالحة ، منها : أنّها تُشعِر المشاوَرين بالمشاركة في صنع الموقف المسؤول ، ومنها أنّها تَهَبُهم طاقة للاندفاع في سبيل تنفيذ مقرّرات هذه المشاورة وتحمّل نتائجها. ومع ذلك كلّه تظلّ لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلمة الأخيرة في مقرّرات المشاورة ، فهو الذي يحدّد ما ينبغي وما لا ينبغي ، ويكون عزمه في المسألة هو الساري الجارى (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله).
إنّ الشورى ليس لها دخل في الأحكام ، ومتى تدخّلت في الحكم فإنّها تكون قد شاركت الوحيَ في التشريع ، وهَوَّنت من شأن النبوّة والنبيّ ، وفتحت باباً للتقوّل على الله .. ذلك التقوّل الذي هدّد اللهُ تعالى باجتراح ولو بعض منه.
ولقد حذّر اللهُ رسولَه ـ وهو أحبّ خلقه إليه ـ أيما تحذير ، وهدّده أيّما تهديد ..
__________________
(١) البقرة : ١٤٤.
(٢) آل عمران : ١٥٤.