قال : (أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ... (١)
ويجري مجرى قوله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ما في سورة النجم ، فقوله تعالى : (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (٢) لا يتّفق مع الرؤيا ، بل الآية في سياق الامتنان وبيان آيات ربّه الكبرى ، أمّا الرؤيا فهي نحو من التخيّل يتفق للصالح والطالح ولا منزلة للرسول في القول بهذا.
هذا ويمكن إجابة كلّ التساؤلات والتشكيكات بأنّ الأمر كان معجزةً ، والمعجزةُ لا تدركها العقول البسيطة ، فهي من قبيل إحياء الأموات ، وتبديل العصى ثعباناً ، وكولادة عيسى من غير أَب ، وخروج ناقة صالح من الجبل الاصم ، وقوله تعالى : (فَخُذ أربعةً مِن الطَّيرِ فصُرْهُنَّ إليكَ ثمّ اجعَلْ على كُلِّ جَبَل مِنهُنَّ جُزءاً ثمّ ادعُهُنَّ يأتِينَكَ سَعْياً واعلَمْ أنّ اللهَ عَزيزٌ حَكيم) (٣) ، وقوله تعالى : (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٤) صريحٌ بإحضار (من عنده علم من الكتاب) لعرش بلقيس من اقصى اليمن إلى اقصى الشام في مقدار لمح البصر ، وهو يشبه ما قاله سبحانه عن الر ياح وأنّها كانت تسير بسليمان (غُدُوُّها شُهرٌ ورَواحُها شَهر) (٥) في لحظة واحدة ، إلى غيرها من عشرات بل مئات الموارد.
إذاً رسالة الإسلام هي رسالة الغيب والإيمان بما خلق الله من الجنِ والملك
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٣ : ٢٣ سورة الإسراء آية ١.
(٢) النجم : ١٧ ـ ١٨.
(٣) البقرة : ٢٦٠.
(٤) النمل : ٤٠.
(٥) سبأ : ١٢.