المذهب الأوّل : ليس لهم ذلك لقدرتهم على النص بنزول الوحي ، وقد قال سبحانه : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى). (١) والضمير يرجع إلى النطق المذكور قبله بقوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) وقد حكى هذا المذهب الأستاذ أبو منصور عن أصحاب الرأي ، وقال القاضي في «التقريب» : كلّ من نفى القياس أحال تعبّد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالاجتهاد. قال الزركشي : وهو ظاهر اختيار ابن حزم.
واحتجّوا أيضا بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا سئل ينتظر الوحي ويقول : «ما أنزل عليّ في هذا شيء» كما قال لمّا سئل عن زكاة الحمير فقال : لم ينزل عليّ إلّا هذه الآية الجامعة : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.)(٢) وكذا انتظر الوحي في كثير ممّا سئل عنه ، ومن الذاهبين إلى هذا المذهب أبو علي وأبو هاشم. (٣)
أقول : لقد لخّص الشوكاني ما ذكره ابن حزم في ذلك المجال وقال : إنّ من ظنّ بأنّ الاجتهاد يجوز لهم في شرع شريعة لم يوح إليهم فيها فهو كفر عظيم ، ويكفي في إبطال ذلك أمره ـ تعالى ـ نبيه أن يقول : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ)(٤) وقوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى). (٥) وقوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا
__________________
(١) النجم : ٤.
(٢) الزلزلة : ٧ و ٨.
(٣) إرشاد الفحول : ٢٢٥.
(٤) الأنعام : ٥٠.
(٥) النجم : ٣ و ٤.