المذهب الثاني : انّه يجوز لنبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ولغيره من الأنبياء الاجتهاد وإليه ذهب الجمهور واحتجوا بالوجوه التالية :
الأوّل : انّ الله سبحانه خاطب نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم كما خاطب عباده ، وضرب له الأمثال وأمره بالتدبّر والاعتبار ، وهو من أجلّ المتفكّرين في آيات الله وأعظم المعتبرين.
أقول : إنّ ما ضرب به من الأمثال جلّها من باب «إيّاك أعني واسمعي يا جارة» وهل يصحّ أن يقال انّه سبحانه أراده بقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١) مع أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّن هداه الله (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ). (٢)
على أنّه سبحانه أمر بالتفكّر والتدبّر فيما يرجع إلى العوالم الغيبية والأسرار المكنونة في الطبيعة وأنّى ذلك من التفكّر في الأحكام الشرعية.
الثاني : انّ المراد من قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) هو القرآن ، لأنّهم قالوا إنّما يعلّمه بشر ، ولو سلم لم يدل على نفي اجتهاده ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان متعبّدا بالاجتهاد بالوحي لم يكن نطقا عن الهوى ، بل عن الوحي.
أقول : إنّ قوله سبحانه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) وإن كان واردا في مورد القرآن ، ولكنّه آب عن التخصيص بدلالة انّ ورود التخصيص عليه يستلزم
__________________
(١) الزمر : ٦٥.
(٢) الزمر : ٣٧.