وعلى ذلك فالمصوّبة على فرقتين : فرقة تنكر وجود الحكم المشترك ، وفرقة تثبته ولكن تنكر الأمر بإصابته ، ولكن في عدّ الفرقة الثانية من المصوبة نوع خفاء ، فإنّ المخطّئة تقول بنفس المقالة لأنّ المفروض عدم وجود نصّ في الواقعة ، فمعه كيف يكون مأمورا بإصابته ، وعليه يصير الحكم الواقعي حينئذ حكما إنشائيّا (لا فعليا).
وعلى كلّ تقدير : فإنّ فتوى المفتي على قول الفرقة الأولى أشبه بالأحكام الأوّليّة الثانويّة (١) عندنا إذ لله سبحانه في ذلك المجال حكم مشخص تابع للمصالح والمفاسد ، ولأجل ذلك تختلف الأحكام الأوّلية وجوبا وحرمة باختلاف الأزمنة والأمكنة ، كما أنّها على قول الفرقة الثانية أشبه بالأحكام الظاهرية التي توافق الواقع تارة وتخالفه أخرى ، فعند الموافقة يكون المؤدّى نفس الواقع ، وعند المخالفة لا يكون مأمورا بإصابته.
ولمّا كان القول بإنكار الحكم الإلهيّ في الوقائع التي لا نص فيها ، يحبط من جامعيّة الإسلام في مجال العقيدة والشريعة ، حاول بعض أهل السنّة تفسير التصويب بمعنى لا يخالف ذلك ، ومجمل ما أفاد : إنّ القول بالتّصويب ليس بمعنى نفي حكم الله في الواقع ، وإنّ حكم الله تابع لرأي المفتي ، بل هو في قبال القول بالتأثيم وأنّ المجتهد إذا أخطأ يأثم ، فصار القائل بالتصويب ـ بردّ ذلك المتقدّم ـ يعني نفي الإثم لا إصابة الواقع ، فعليه يصير النزاع في التصويب والتخطئة لفظيا ، وإليك توضيحه :
__________________
(١) راجع رسالة «القول المفيد في الاجتهاد والتقليد» (المطبوع ضمن الرسائل الأربع ، الرسالة الثالثة) : ٨٩ ـ ٩٠.