إنّ أهل السنّة في مجال فتوى المفتي على طوائف :
الأولى : إنّ المجتهد لم يكلّف بإصابة الواقع لخفائه وغموضه فلذلك لم يكن مأمورا به.
الثانية : أمر المجتهد بطلبه وإذا أخطأ لم يكن مأجورا لكن حطّ الإثم عنه تخفيفا.
الثالثة : إنّ المجتهد الذي أخطأ الدليل القطعيّ آثم غير فاسق ولا كافر.
وهذا قول بشر المريسي ، ونسبه الغزالي والآمدي إلى ابن علّية (١) وأبي بكر الأصمّ ، وهؤلاء هم المؤثّمة (٢).
وعلى ضوء ذلك : فالمراد من التصويب هو نفي القول بالإثم الذي أصرّ عليه بشر المريسيّ ، لا إصابة كلّ مجتهد للحقّ الملازم لنفي الحكم المشترك ، وكيف يمكن نسبة القول بالتصويب بمعنى نفي حكم الله في الواقعة مع أنّهم
__________________
(١) إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ، كان جهميا يقول بخلق القرآن ، له مناظرات مع الشافعيّ ، ولد سنة ١٥١ ه وتوفّي عام ٢١٨ ه. الأعلام : ١ / ٣٢.
(٢) قال الغزالي في المستصفى : ٢ / ٣٦١ : ذهب بشر المريسي إلى أن الإثم غير محطوط عن المجتهدين في الفروع ، بل فيها حقّ معين وعليه دليل قاطع ، فمن أخطأه فهو آثم كما في العقليات ، لكن المخطئ قد يكفّر كما في أصل الإلهيّة والنبوّة ، وقد يفسّق كما في مسألة الرؤية وخلق القرآن ونظائرها ، وقد يقتصر على مجرّد التأثيم كما في الفقهيات وتابعة على هذا من القائلين بالقياس ابن عليّة وأبو بكر الأصمّ ووافقه جميع نفاة القياس ومنهم الإمامية.
وقال الآمدي في إحكامه : ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ : «وذهب بشر المريسيّ وابن عليّة وأبو بكر الأصمّ ونفاة القياس كالظاهريّة والإمامية إلى أنّه ما من مسألة إلّا والحقّ فيها متعيّن ، وعليه دليل قاطع ، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق.