وأمّا ما ذكره من تقسيم تلك النفوس إلى النفوس الزكيّة ـ وفسّرها بما رسخ فيها نحو من الاعتقاد في العاقبة التي تكون لأمثالهم الخ ـ وإلى النفوس الرديّة ـ وأراد بها ما يقابل النفوس الزكيّة ، أي التي لم يكن فيها ذلك النحو من الاعتقاد أو أعمّ منه ، ومن التي رسخت فيها هيئة رديّة بدنيّة كملكة الإفراط والتفريط ـ فليس بمناف لإرادته البله بالمعنى المذكور ، أي الخالية عن الكمال العلميّ وما يضادّه خاصّة ، لأنّ ذلك النحو من الاعتقاد الذي ذكره ليس كمالا علميّا للنفس حتّى ينافي الخلوّ من الكمال العلميّ ، لأنّ الكمال العلميّ كما تضمّنه كلام الشيخ سابقا إنّما هو الاعتقاد الجازم بالمعقولات من حيث إنّها معقولات ، بحيث تصير النفس عالما عقليّا مرتسما فيه صور الكلّ والنظام المعقول في الكلّ والخير الفائض في الكلّ ، ولا كذلك ذلك النحو من الاعتقاد ، فإنّه كما يدلّ عليه كلام ذلك البعض اعتقاد في العاقبة من جهة الأمور الجزئيّة التي من شأنها أن تكون محسوسة. وأيضا هو وإن كان اعتقادا في الجملة ، لكنّه ليس اعتقادا في مرتبة الاعتقاد بالمعقولات الصرفة ، بل هو اعتقاد شبيه بالتخيّل أو التوهّم.
وكذلك الأنفس الرديّة التي ذكرها وذكر بيان حالها ، ليس المراد بها ما ارتسم فيه الجهل بالكمالات العلميّة بسيطا أو مركّبا حتّى ينافي كونها خالية عن ضدّ الكمال العلميّ ، بل المراد بها إمّا ما ارتسم فيه ضدّ ذلك النحو من الاعتقاد ـ كما هو الظاهر من كلامه ـ أو هو مع كيفيّة رديّة بدنيّة ، وعلى التقديرين ، فالمرتسم فيها ليس ضدّا للكمال العلميّ.
وكذلك ليس بين كلامي الشيخ وذلك البعض منافاة في تقسيم النفوس البله إلى الأقسام ، وبيان حال تلك الاقسام ، فإنّ الشيخ قد بيّن أحوال تلك النفوس البله بحسب خلوّها عن الهيئات الرديّة البدنيّة ، وبحسب اشتمالها عليها ، بل بحسب اشتمالها على الهيئات الفاضلة أيضا ، ولم يتعرّض لبيان حالها بحسب اشتمالها على الاعتقادات الشبيهة بالتخيّل أو التوهّم في العاقبة من الأمور الجزئيّة المحسوسة ، وإنّ ذلك البعض قد تعرّض للثاني دون الأوّل ، ولا ضير في كلّ ذلك ، بل إنّ الشيخ ربّما لم يتعرّض للثاني إحالة على ظهوره ممّا نقله من ذلك البعض ، بل إنّه ربّما يدّعي أنّ ما ذكره ذلك البعض من الأحوال راجع إلى الاشتمال على الهيئات البدنيّة الفاضلة وعلى الهيئات الردية البدنيّة