أيضا ، فإنّ رسوخ ذلك النحو من الاعتقاد الذي عرفت أنّه ليس بكمال علميّ للنفس ، وكذا رسوخ خلافه ، يرجع إلى رسوخ حالة بدنيّة رديّة أو فاضلة.
ومنه يظهر وجه آخر لعدم تعرّض الشيخ صريحا لذكر قسم ما اكتسبت النفس الحالة البدنيّة الفاضلة ، فإنّه لعلّه لم يتعرّض له لظهوره ممّا نقله عن ذلك البعض.
وحيث تحقّقت ما ذكرنا ، فلنرجع إلى تحرير ما ذكره الشيخ من أحوال النفوس البله.
فنقول : معناه : وأمّا النفوس البله التي لم تكتسب الشوق التي كمالها الخاصّ بها ، أي الكمال الحقيقيّ العلميّ ، فإنّها إذا فارقت البدن ، وكانت غير مكتسبة للهيئات الرديّة البدنيّة ، سواء اكتسبت مع ذلك هيئة فاضلة بدنيّة أم لا ، صارت إلى سعة من رحمة الله ونوع من الراحة.
أمّا إذا لم تكتسب هيئة رديّة ولا فاضلة مطلقا فلخلوّها عن أسباب التأذّي والخلاص عنها فوق الشقاء ، فإذن هي في سعة من رحمة الله تعالى ونوع من الراحة. وأمّا إذا اكتسبت مع ذلك هيئة فاضلة ، فظاهر.
وعلى التقديرين ولا سيّما التقدير الأخير ، يمكن أن يحمل ما ورد في الحديث من «أنّ أكثر أهل الجنّة البله» (١) وإن كانت مكتسبة للهيئات البدنيّة الرديّة ، وليس فيها هيئة غير ذلك من هيئة فاضلة ولا معنى يضادّها ولا أمر ينافيها ، فتكون تلك النفوس لا محالة ممنوّة بشوقها إلى مقتضى تلك الهيئات الرديّة لعدم حصول شيء فيها غير ذلك ، فتتعذّب عذابا شديدا بفقد البدن ومقتضياته ، من غير أن يحصل المشتاق إليه ، لأنّ آلة ذلك قد بطلت وخلق التعلّق قد بقي يعني أنّها حيث كانت ممنوّة بشوقها إلى مقتضى تلك الهيئة الرديّة البدنيّة ، والحال أنّ ذلك المقتضى إنّما كان يحصل بالبدن وبالآلات البدنيّة ، فتتعذّب عذابا شديدا بسبب اشتياقها إلى ذلك المقتضى ، مع كون الاشتياق حاصلا لها باقيا فيها ، وكون المشتاق إليه ، أي ذلك المقتضى غير حاصل لها ، بل فائتا عنها. أمّا كون الاشتياق باقيا ، فلأنّ خلق التعلّق بالبدن ، وهو تلك الهيئة الرديّة البدنيّة باق فيها. وأمّا كون ذلك
__________________
(١) بحار الأنوار ٥ / ١٢٨ ؛ ٦٧ / ٩.