المقتضى فائتا عنها ، فلأنّ آلة ذلك ـ وهي البدن ـ قد بطلت.
وبالجملة ، فسبب تعذّبها وتألّمها هو اشتياقها إلى شيء فائت عنها ، وهذا هو مفاد كلامه.
وأمّا أنّه هل ينقطع هذا العذاب عنها أم لا ينقطع ، فليس في كلامه هذا تعرّض لذلك ، ومقتضى ما ذكره آنفا من أنّ الهيئة الرديّة البدنيّة والأمر العارض الغريب لا تدوم ولا تبقى ، بل تزول وتبطل مع زوال الأفعال التي كانت تثبت تلك الهيئة بتكرّرها ، هو انقطاع هذا العذاب ، حيث إنّ سببه أيضا إنّما هو الهيئات الرديّة والأمر العارض الغريب.
ثمّ إنّه مال بعد ذلك إلى مذهب بعض العلماء في النفوس البله وبيان حالها بعد المفارقة ، وكأنّه يريد بذلك البعض الفارابيّ ، كما مرّ بيانه فيما سلف.
وقال : «ويشبه أيضا أن يكون ما قاله بعض العلماء حقّا ، وهو أنّ تلك النفوس البله إذا فارقت البدن ، وكانت زكيّة بأن رسخ فيها نحو من الاعتقاد في العاقبة وفي أمور الآخرة التي تكون لأمثالهم ، على مثل ما يمكن أن يخاطب به العامّة ، أي المخاطبة بالأمور الجزئيّة المحسوسة من الأمور الحقّة في الآخرة ، دون الأمور المعقولة التي ليس من شأنهم إدراكها ولا ينبغي مخاطبتهم بها واعتقدوا تلك الأمور الجزئيّة المحسوسة نحوا من الاعتقاد ، وإن كان شبيها بالتخيّل والتوهّم وتصوّر ذلك في أنفسهم ، فإنّ هؤلاء إذا فارقوا الأبدان والحال أن ليس لهم معنى جاذب إلى الجهة التي هي فوقهم ، لا كمال فيسعدوا تلك السعادة الحاصلة بإدراك ، ولا شوق كمال فيشقوا تلك الشقاوة الحاصلة بفقد ذلك الكمال ، حيث إنّ المفروض أنّه لم يكن لهم شوق إلى كمالهم الخاصّ بهم حتّى يكتسبوه أم لم يكتسبوه ، بل كانت جميع هيآتهم النفسانيّة متوجّهة نحو الأسفل ، منجذبة إلى الأجسام لكون نفوسهم خسيسة ، غير مكتسبة للشوق إلى الكمال ، والحال أنّ موضوع تخيّلهم بتلك الأمور الجزئيّة الأخرويّة التي يدركون الثواب على اعتقادهم بها وتخيّلهم لها ، وهو البدن ، وإن كان قد بطل ، إلّا أنّه لا منع في المواد السماويّة عن أن تكون موضوعة لفعل نفس فيها ، كالتخيّل والتصوّر ، وأن تكون تلك المواد تنوب عن أبدانهم في ذلك ، لكن بحيث لا يكون تعلّق نفوسهم بتلك المواد تعلّق التدبير والتصرّف ، كتعلّقهم بأبدانهم ، بل