متكثّرة ، لم تكن لها تشخّص أصلا فلم تكن موجودة أيضا ، إذ كلّ موجود بالعدد يجب أن يكون متشخّصا ، هذا خلف. فيظهر من هذا أنّ تشخّصها إنّما يحدث بحدوث الأبدان وكذلك وجودها وحدوثها بحدوثها وكذلك تكثّرها بتكثّرها ، وأنّ الأبدان وإن لم تكن بالنسبة إلى النّفوس مادّة منطبعة هي فيها ، لكنّها بالنسبة إليها في حكم الموادّ في ذلك.
ثمّ إنّ قوله : «ولقائل أن يقول : إنّ هذه الشبهة» الخ ، هذه شبهة على هذا المقام ، وحاصلها أنّ النفس إذا فارقت الأبدان ، فإمّا أن تفسد وأنتم لا تقولون به. وأيضا يلزم فساد المجرّد ، وهو ممتنع عندكم. وإمّا أن تبقى متّحدة وهو عين ما شنّعتم به ، بل أشنع ، لأنّه يلزم ـ مع ما يلزم على تقدير الاتّحاد ـ من أن تكون نفس زيد بعينها نفس عمرو ، ومن اجتماع الضدّين ـ أنّ هذا الاتحاد بعد تكثّرها كما هو المفروض إمّا أن يكون بأن تفسد النفوس المتكثّرة وتحدث نفس أخرى واحدة ، فيلزم أيضا فساد النفس ، وكذا حدوثها بدون حدوث البدن ، وأنتم لا تقولون بذلك. وإمّا أن يكون بأن تركّبت تلك المتكثّرة وامتزجت بعضها مع بعض ، فحصل منها نفس واحدة ، ففيه ـ مع لزوم فساد تلك النفوس أيضا ـ أنّ التركب والامتزاج لا يكون إلّا لما له مادّة مستعدّة قابلة له ، وهي منفيّة عنها عندكم. وإمّا أن تبقى متكثّرة كما كانت مع الأبدان ، وفيه أنّ النّفس عندكم مفارقة للأبدان فكيف تكون متكثّرة ، يعني أنّ هذا البقاء متكثّرة إمّا أن يكون تكثّرها بتكثّر تلك الموادّ المتكثّرة التي هي منطبعة فيها فهذا باطل ، لأنّ النفس ليست كذلك ، لكونها مجرّدة عن المادّة عندكم ، وإمّا أن يكون بتكثّر الأبدان التي هي في حكم الموادّ بالنسبة إليها فهذا أيضا باطل ، لكون المفروض فساد الأبدان وفناؤها. وهذا هو تقرير الشبهة.
وأمّا ما ذكره في حلّها ، فحاصله اختيار أنّ النّفس بعد مفارقة الأبدان تبقى متكثّرة كما كانت ، لكن هذا البقاء متكثّرة إنّما يكون بتلك الحالة والهيئة والمناسبة التي قلنا إنّها مشخّصة للنفوس مقتضية لاختصاص كلّ نفس ببدن ، ومناسبة لصلوح أحدهما للآخر وإن لم نعلم ماهيّة تلك الهيئة ، فإنّ تلك الهيئة كما تلزم النّفوس مع حدوثها ، كذلك تلزمها بعد حدوثها ، ولو بعد مفارقتها عن الأبدان فهي بعد فساد الأبدان ، أيضا مشخّصة للنفوس مميّزة لبعضها عن بعض ، وهي بذلك التشخّص موجودة باقية متكثّرة.