أحدكم حجرا لحشر معه ، فإنّ تكرّر الأفاعيل يوجب حدوث الملكات ، فلكلّ ملكة تغلب على الإنسان في الدنيا متصوّر في الآخرة بصورة تناسبها ، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ). (١) ولا شكّ أن أفاعيل الأشقياء المدبرين إنّما هي بحسب هممهم القاصرة النازلة في مراتب البرازخ الحيوانيّة ، وتصوّراتهم مقصورة على أغراض بهيميّة أو سبعيّة تغلب على نفوسهم ، فلا جرم يحشرون على صور تلك الحيوانات في القيامة ، كقوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٢). وفي الحديث : يحشر بعض الناس على صورة تحسّ (تحسن) عندها القردة والخنازير». انتهى (٣)
ويوافقه في التفسير بالمعنى الأوّل كلام المحقّق الطوسيّ رحمهالله في رسالة منسوبة إليه.
وحيث عرفت ذلك ، فنقول : لو حمل تلك الآيات الواردة في ذلك على أنّ المراد بحشر تلك الحيوانات موتها ـ كما هو المنقول عن ابن عبّاس والضحّاك ـ أو على ما يفهم من كلام صدر الأفاضل.
وبالجملة ، لو حملت على غير معناها الظاهر ، فهو كلام آخر ، وإن حملت على ظاهرها كما حملها عليه الأكثرون ، فحينئذ إن كانت الحكمة في حشرها وبعثها أمرا لا نعلمه أصلا ، أو حكمة ومصلحة عائدة إلى بني آدم كلّهم أو بعضهم ، من نوع سرور وإعجاب أو اعتبار أو نحو ذلك ، فهذا أيضا كلام آخر.
وإن كانت الحكمة في ذلك هي المجازاة كما ذكره المفسّرون ، فهذا لا يخلو عن إشكال بحسب فهمنا القاصر ، إذ المجازاة ـ كما دلّ عليه العقل والنقل ـ إنّما تكون لمن كان مكلّفا بالتّكاليف ، وتلك الحيوانات ليس فيها ما هو مناط التكليف ، وإلّا لوقع عليهم تكليف في النشأة الدنيويّة ، وليس كذلك. اللهمّ إلّا أن يلتزم أنّها وإن كان ليس فيها ما هو مناط التكليف بكلّ التكاليف الشرعيّة والعقليّة ، لكنّ فيها ما هو مناط بعض التكاليف ، مثل التّكليف بعدم إيصال الأذى إلى غيرها من الإنسان والحيوانات ، بأن تكون لها نفس
__________________
(١) الإسراء (١٧) : ٨٤.
(٢) التكوير (٨١) : ٥.
(٣) الشواهد الربوبيّة / ٢٨٨.