كانت الحكمة المتعالية مقتضية لفنائها لعدم حكمة في بقائها ، وبذلك يمكن تأويل ما هو المنقول عن ابن عبّاس والضّحاك من أن حشرها موتها ، إذا حمل الحشر على معناه الظاهر أيضا ، أي أنّ حشرها يكون فى زمان ما يكون المجازاة فيه ثمّ تنعدم هى وتموت بلا فصل ، كان زمان حشرها هو زمان موتها. وإن قلنا بفناء بعضها وبقاء بعض آخر ممّا فيه سرور أو إعجاب لبني آدم ، كما نقله صاحب الكشّاف عن بعضهم ، فلا إشكال أيضا ، إذ حينئذ يكون السبب في البقاء والفناء والوجه فيهما كما ذكرنا ، حيث إنّ بقاء تعلّق نفوس بعضها أو أرواحها الحيوانيّة بأبدانها ، وكذا انقطاع تعلّق بعضها عنها أمر ممكن ، وكذلك اقتضاء الحكمة المتعالية لبقاء ما فيه بعد ذلك حكمة لبني آدم من سرور وإعجاب ، ولفناء ما لا حكمة فيه بعد ذلك أمر ظاهر. والله أعلم بالصّواب ، وإليه المرجع والمآب.
وأمّا ما ورد في حشر شركاء الله تعالى ، فهو إذا حملناه على ظاهره كما حمله عليه العلماء والمفسّرون وأريد بالشّركاء الجنّ والشياطين ، فالكلام في حشرهم كما تقدّم. وإن أريد بذلك الأصنام التي كانوا يعبدونها ، فمعنى حشرها ـ والله أعلم ـ إعادة الصور التركيبيّة مرّة أخرى إليها ، أي إلى موادّها الجسمانيّة ، ولا سيّما أجزائها الأصليّة إذا تفرّقت ، أي جمع أجزائها الماديّة ، ثمّ إعادة صورة تركيبيّة إليها مثل الأولى ، فإنّه حينئذ يكون تلك الأجسام عين الأولى بحسب المادّة وإن كانت غيرها بحسب الصورة ، ولا امتناع فيه ، كما لا امتناع في إنطاقها ، حتّى تجيب عمّا سئلت هي عنه ، وهو من جملة المصالح في حشرها ، حيث إنّ فيه إلزاما على الذين يعبدونها.
وبالجملة ، فإنّ ذلك أمر ممكن في ذاته ، ونسبة القادر المطلق إلى كلّ ممكن كذلك على السّواء.
وأمّا ما ورد في شأن الملائكة ، فهو أيضا إذا حملناه على ظاهره ، كما حمله عليه العلماء ، وقلنا بطروء الموت عليهم ، فوجه ذلك فيهم أيضا ظاهر ، إذا قلنا بأنّ لهم نفوسا مجرّدة شريفة وأبدانا هي أجسام لطيفة نورانيّة ، كما هو ظاهر الشّرع ، حيث إنّه كما أنّ حياتهم يكون بتعلّق تلك النفوس والأرواح المقدّسة بتلك الأبدان النورانيّة تعلّق التدبير والتصرّف ، كذلك يكون موتهم عبارة عن قطع تعلّقها عنها ، سواء قلنا بفناء تلك الأبدان