ومنها : الأخبار الدالّة على ذلك فمن ذلك خبر بريرة وكانت لعائشة وقد زوّجتها من عبد ، فلما أعتقتها وعلمت بخيارها في نكاحها أرادت مفارقة زوجها فاشتكى الى النبيصلىاللهعليهوآله فقال صلىاللهعليهوآله لها : أرجعي الى زوجك ، فإنّه أبو ولدك وله عليك منّ ، فقالت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله أتأمرني بذلك؟ فقال : لا إنّما أنا شافع (١).
فإنّ نفي الأمر وإثبات الشفاعة مع إفادة الشفاعة للاستحباب دليل على كون الأمر للوجوب.
واورد عليه بأنّه قد يكون سؤالها عن الأمر من جهة ثبوت رجحان الرجوع شرعا سواء كان على سبيل الوجوب أو الاستحباب ، فلمّا أعلمها النبي صلىاللهعليهوآله بعدمه وأنّ أمره بالرجوع على سبيل الشفاعة إجابة لالتماس زوجها قالت : لا حاجة لي فيه.
واجيب عنه بأنّ إجابة شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله مندوبة ، فإذا لم يكون الرجوع مأمورا به مع ذلك تعيّن كون الأمر للوجوب.
واورد عليه بأنّه إذا كانت الشفاعة في الرواية المذكورة غير مأمور بإجابتها فلا نسلّم أنّها كانت في تلك الصورة مندوبة ، كذا ذكره في الإحكام.
وأنت خبير بأنّ استحباب إجابة الشفاعة غير كون الطلب الصادر منه على سبيل الندب ، فلا منافاة بين الاستحباب المذكور وعدم ورود الأمر على جهة الندب ، بل على جهة الشفاعة إن جعلناها أحد معاني الصيغة ، أو جعلناها للإرشاد ، فلا حاجة الى إلتزام عدم رجحان إجابة شفاعة النبي صلىاللهعليهوآله.
لكن الظاهر أنّ الأمر في الشفاعة لا يخلو عن طلب من الشفيع ولو كان غير حتمي، وحينئذ فظاهر قولها : «أتأمرني يا رسول الله» هو السؤال عن طلبه الحتمي ، وليس في كلامها إشارة الى كون السؤال عن رجحان رجوعها اليه في أصل الشرع ، سواء كان على سبيل الوجوب أو الندب ، فحمله على ذلك في غاية
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٨٥ باب ان الامة تكون تحت المملوك ح ١ (مع اختلاف) ، سنن ابي داود ٢ : ٢٧٠ ح ٢٢٣١ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ : ٢٢٢.