استفادة الاختصاص منه حينئذ مبنيّا على ذلك من غير أن يكون مستندا إلى الوضع ابتداء، وإن لم يكن كذلك بل كان قابلا للانتساب إلى شيئين أو أشياء كما في قولك : «محبوب زيد» و «مطلوب عمرو» و «مقصود بكر» ونحوها لم يفد الاختصاص أصلا ، كيف! ولو كان ذلك مفيدا للاختصاص لكان قولك : «الله ربّي وخالقي ورازقي ومصوّري» ونحوها ... دالّا على عدم كونه تعالى ربّا وخالقا ورازقا ومصوّرا لغيره ، وهو ظاهر البطلان.
وحينئذ فنقول في المقام : إنّ كون الشيء اصولا للفقه لا ينافي كونه اصولا لغيره أيضا حتّى يكون انتسابه إلى الفقه في ذلك مانعا من انتسابه إلى غيره ، فلا يتّجه دلالتها على الاختصاص ليتمّ ما ذكر من التقريب.
فظهر بما قرّرنا أنّ دعوى انطباق معناه الإضافي على معناه العلمي غير واضح ؛ مضافا إلى أنّه قد يناقش في اختصاص ما دوّن من العلوم لخصوص الفقه بالاصول ، كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
وأمّا حدّه بالنظر إلى معناه العلمي : فهو على ما اختاره جماعة من المتأخّرين : هو «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة» فخرج بالقواعد العلم المتعلّق بالجزئيّات كعلم الرجال. وبالممهّدة لاستنباط الأحكام العلوم الغير الآليّة. وبالتقييد بالشرعيّة علم المنطق ، إذ ليس تمهيده لاستنباط الأحكام الشرعيّة ، بل لمطلق تصحيح النظر في اكتساب المطالب النظريّة ؛ وكذا ما مهّد من القواعد لاستنباط الأحكام العقليّة. وبالفرعيّة ما يتقرّر من القواعد في بعض المقامات لاستنباط الأحكام الاصوليّة.
وقد يستشكل في الحدّ بلزوم اندراج القواعد المقرّرة في الفقه ممّا يستنبط منها الأحكام الفرعيّة المترتّبة عليه في الاصول.
وقد يجاب بالتزام إدراج جملة منها في مباحث الاصول كأصالة الصحّة في العقود وأصالة صحّة تصرفات المسلم ونحوهما ممّا تقرّر لأجل استنباط الأحكام ، وادراج جملة منها في الفقه ممّا يكون المقصود منها بيان نفس الحكم الشرعي وإن استنبط منه حكم شرعي آخر ، إذ لا منافاة.