ثانيهما : أن يكون لكلّ منهما أثر مشترك ، وللفرد الطويل أثر مختصّ به ، فيكون من قبيل دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، نظير ما إذا تنجّس ثوب ـ مثلا ـ بنجس مردّد بين البول وعرق الجنب من الحرام ـ بناء على القول بنجاسته ـ حيث إنّ وجوب الغسل مرّة ثانية أثر مختصّ بالبول فقط ، كما أنّ وجوب الغسل مرّة واحدة أثر مشترك بينهما ، ففى هذا الوجه لا يجري استصحاب الكلّيّ ، لحكومة الأصل السّببيّ عليه وهو أصالة عدم حدوث البول ، أو أصالة عدم كون الحادث بولا ، ولا تعارضها أصالة عدم حدوث العرق ، أو أصالة عدم كون الحادث عرق الجنب من الحرام ، لعدم ترتّب أثر خاصّ عليها ؛ إذ المفروض وجوب الغسلة الاولى على كلّ تقدير.
لا يقال : إنّ أصالة عدم حدوث الفرد القصير له أثر ـ أيضاً ـ وهو إثبات حدوث الفرد الطّويل ؛ لأنّه يقال : هذا مبنيّ على القول بالأصل المثبت.
فتحصّل : أنّ الاصول السّببيّة في الوجه الأوّل وإن كانت متعارضة متساقطة ، إلّا أنّه لا يكون المرجع عندئذ استصحاب الكلّيّ ، لما اشير إليه من وجود العلم الإجماليّ الدّائر بين المتباينين ، وهذا لا يقتضي إلّا وجوب الاحتياط بالجمع بين أثري الحادثين لو لم يكن في البين أصل معيّن لأحد الفردين (القصير والطّويل) ؛ وأمّا الوجه الثّاني ، فلا يجري فيه ـ أيضا ـ استصحاب الكلّيّ ، لكن لأجل حكومة الأصل السّببيّ عليه من دون معارض له ، حيث لا يجري الأصل في الفرد القصير ، لكونه فاقدا للأثر.
هذا كلّه إذا لم يكن في البين أصل منقّح للموضوع معيّن للفرد ، وإلّا فلا مجال لاستصحاب الكلّيّ ، فلو كان محدثا بالأصغر فخرج منه بلل مردّد بين البول والمني ثمّ توضّأ فشكّ في بقاء الحدث ، فمقتضى استصحاب القسم الثّاني من الكلّيّ وإن كان بقاء