العلم علم وانكشاف ، لا تفصيل فيه ولا إجمال ، إنّما الفرق بينهما من ناحية المعلوم ، فالحكم المعلوم بالإجمال ، قد يكون فعليّا من جميع الجهات ، وقد لا يكون كذلك ، فعلى الفعليّة يمتنع جعل الحكم الظّاهريّ على خلافه ولو في بعض الأطراف ، لاستحالة التّرخيص في المعصية ومخالفة التّكليف الفعليّ المنجّز ، ترخيصا قطعيّا أو ترخيصا احتماليّا ؛ وأمّا على عدم الفعليّة ، فيمكن جعل الحكم الظّاهريّ على خلافه ولو في جميع الأطراف ، فمع إمكان الجعل في بعض الأطراف لعدم فعليّة الحكم من جميع الجهات ، يمكن الجعل في تمام الأطراف ، ومع امتناعه في جميع الأطراف لمكان الفعليّة يمتنع في بعضها ـ أيضا ـ إذ احتمال ثبوت المتضادين ، كالقطع بثبوتهما ، محال. (١)
وفيه : أنّه قدسسره لو أراد من فرض عدم فعليّة الحكم المعلوم بالإجمال ، أنّ العلم التّفصيليّ مأخوذ في موضوع الحكم ، بحيث لو لم يعلم المكلّف الحكم تفصيلا لم يكن التّكليف في حقّه فعليّا ، فالالتزام به مشكل ، لا للزوم الدّور ، بل للزوم اختصاص الأحكام بالعالمين بها ، مع أنّ الضّرورة والإجماع قائمان على اشتراك الأحكام بين العالمين والجاهلين ؛ وأمّا عدم لزوم الدّور ، فلأجل أنّ فعليّة الحكم وإن كان متوقّفا على العلم به ، ولكنّ العلم به لا يكون متوقّفا على فعليّة الحكم ؛ إذ العلم بالحكم الإنشائيّ يوجب فعليّة الحكم الإنشائيّ ، وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.
ولو أراد قدسسره منه عدم كون العلم التّفصيليّ مأخوذا في الموضوع ، لكن مع ذلك لا يكون الحكم فعليّا قبل العلم ، فهذا خلف غير معقول ، كما لا يخفى.
الوجه الثّاني : ما أفاده بعض تلامذة المحقّق الخراساني قدسسره من أنّ المفروض
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠٨ و ٢١٤ و ٢١٥.