أنّ من تكلّم نصف ساعة ـ مثلا ـ بداع ، ثمّ تكلّم بلا فصل نصف ساعة اخرى بداع آخر ، كانت التّكلّم الحادث بهذا الدّاعي غير التّكلّم الحادث بذاك الدّاعي ، فإذا يشكّ في حدوث فرد آخر من الكلام مقارن لارتفاع الأوّل عند احتمال قيام داع آخر في النّفس بعد القطع بارتفاع ما كان منقدحا في النّفس ، فلا يجري فيه الاستصحاب ، وكذا الحال في الماء والدّم ونحو ذلك من الامور التّدريجيّة ، فتأمّل. (١)
وفيه : أنّ معيار الوحدة في الزّمانيّات المتصرّمة ، هو الاستمرار والاتّصال وإن تحقّقت بدواع متعدّدة ، أو بداع في قطعة ، وداع آخر في قطعة اخرى.
وبعبارة اخرى : أنّ الزّمانيّات ما لم تنقطع ولم يتخلّل العدم والسّكون ، لها هويّة واحدة وشخصيّة فاردة وإن حدثت بداع وبقيت واستمرّت بداع آخر ، كما أنّه إذا تخلّل العدم وانثلم الاتّصال ، تصير متعدّدة وإن كان الدّاعي واحدا ؛ ولذا لو سجد المصلّي بداعي الامتثال وبقي في سجدة الصّلاة ـ بعد إتمام ذكرها ـ لحظة بداع آخر غير الامتثال ، كالاستراحة ، لا يحكم ببطلان الصّلاة حينئذ لأجل زيادة السّجدة وتعدّدها بتعدّد الدّاعي.
وأمّا توهّم أنّ استصحاب الأمر المتصرّم في هذا القسم ، محكوم بأصالة عدم حدوث داع الّتي يترتّب عليها عدم تحقّق الأمر المتصرّم ؛ وذلك ، لكون الشّكّ في بقاءه مسبّبا عن الشّكّ في حدوث داع آخر والأصل عدمه ، فمندفع : بأنّ أصل عدم حدوث داع آخر لا أثر له شرعا ، وترتّب عدم تحقّق الأمر المتصرّم عليه ، عقليّ ، كما لا يخفى ، فلا سببيّة ولا مسبّبيّة شرعيّة هنا ، وحينئذ إجراء الأصل المذكور لترتّب
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٤٤١.