كالشّروط ترجع عندهم إلى الحكم ، وهذا هو ظاهر القضيّة التّعليقيّة ، فالموضوع في المثال المتقدّم هو نفس العصير أو العنب ، والغليان يكون شرطا للحكم لا جزءا لموضوعه.
وإن شئت ، فقل : الحكم في المثال يكون معلّقا على الشّرط في لسان الدّليل بعد الفراغ عن ترتّبه على موضوع بسيط ، وليس مجعولا على موضوع مركّب وجد أحد جزئيه حتّى يحكم العقل بأنّه لو انضمّ إليه الجزء الآخر لترتّب عليه الأثر ، كى يقال : هذا المعنى عقليّ مقطوع البقاء في كلّ مركّب وجد أحد جزئيه ، فلا معنى لاستصحابه.
وأمّا الوجه الثّالث : فلأنّ الكلام ليس في العنب الباقي على حالته العنبيّة من دون تبدّل بعض حالاته حتّى يقال : إنّ حرمته على تقدير غليانه مقطوعة لا شكّ فيها ، فلا معنى لاستصحابها ، بل الكلام فيما إذا تبدّل بعض حالات العنب بأن صار زبيبا ، ويكون هذا سببا للشّكّ في البقاء ، بحيث يشكّ حال كونه زبيبا في بقاء حرمته المعلّقة على الغليان حال كونه عنبا.
ثمّ إنّ الشّيخ الأنصاري قدسسره بعد ما أشار إلى صحّة الاستصحاب التّعليقيّ في المثال المتقدّم ، وأنّه لا يعقل فرق في جريان الاستصحاب ولا في اعتباره من حيث الأخبار ، أو من حيث العقل ، بين أنحاء تحقّق المستصحب ، ذهب إلى وجه آخر لتصحيح الاستصحاب في المقام ، وعدل عن الاستصحاب التّعليقيّ إلى الاستصحاب التّنجيزيّ ، بدعوى : أنّ الغليان حال العنبيّة كان سببا للحرمة ، فالاستصحاب يقتضي بقاء السّببيّة حال الزّبيبيّة ـ أيضا ـ والسّببيّة لا تكون ـ كالحرمة ـ معلّقة على تحقّق