رابعها : الالتزام بالفرق في الأمارات بين الإخبار فتكون مثبتاته حجّة ، وبين غيره فلا تكون حجّة. (١)
وجه ظهور ضعف الجميع واضح ، مضافا إلى أن المثال الّذي ذكره قدسسره في الموضع الثالث من كلامه ، لا يخلو من المناقشة ؛ إذ ليس ذلك المثال من باب إنكار الملازمة ، بل من باب إنكار الملزوم ؛ لأنّ الملازمة ـ حسب اعتقاد المخبر ـ إنّما تكون بين ملاقاة يد زيد كافر ، وبين نجاسة الماء ، والمفروض أنّ المخبر منكر لكفر زيد ، فيكون منكرا للملزوم لا الملازمة ؛ ومضافا إلى أن ما التزمه قدسسره في الموضع الرّابع من كلامه ، ينافي ما تقدّم منه قدسسره في الموضع الثّالث ، حيث إنّ مقتضى ما ذكره قدسسره هناك من أنّ الإخبار عن الشّيء لا يكون إخبارا عن لازمه ، هو عدم حجيّة مثبتات الأمارات الّتي تكون من قبيل الإخبار ، ومقتضى ما ذكره قدسسره هنا هو حجيّة مثبتات الأمارات الّتي تكون من قبيل الإخبار.
فتحصّل : أنّ الطّرق والأمارات كلّها حاكيات عن الواقع وعلوم عرفيّة عقلائيّة ، فيرى بها وجه الشّيء ووجه لوازمه وملزوماته وملازماته ، كاليقين العقليّ والعلم المنطقيّ الفلسفيّ بلا دخل لقصد المتكلّم المخبر ، في هذا الأمر ، وكالمرآة العينيّة الخارجيّة ، حيث إنّه لا شأن لها إلّا الحكاية والإراءة ؛ وأمّا الاصول فليس لها حكاية حتّى الاستصحاب ، بل الموضوع فيها هو الشّكّ والحيرة ؛ ولذا تقدّم الأمارات على جميعها بلا شبهة ، لكونها علوما مزيلة للشّكوك.
وما على الألسنة من أنّ الاستصحاب من الاصول المحرزة ، لا أساس له ؛ إذ
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١٥٢ إلى ١٥٥.