هذه هي الأقوال الثّلاثة في المسألة والحقّ هو القول الثّاني من أنّ تقديم الأمارات إنّما هو من باب الورود ، لكن لا بما ذكره المحقّق الخراساني قدسسره وغيره من الوجوه المتقدّمة ، بل بوجه وتقريب آخر ، فنقول :
قبل الورود في ذكر الوجه ، ينبغي تقديم مقدّمة وهي أنّ العناوين المتداولة في الاصول ، كالتّخصّص (أو التّقيّد) والحكومة ، وكالتّخصيص (أو التّقييد) والورود وغيرها من المجمل والمبين ممّا لم يرد في كتاب أو سنّة أو معقد إجماع حتّى يبحث عنها وعن حدودها وشئونها ، بل هي امور مستحدثة ، مصطلحة عند أرباب علم الاصول ، وقد حرّرها وبيّن حدودها وشروطها الشّيخ الأنصاري قدسسره وتعرّض لها في غير مورد من مباحث الاصول سيّما في ابتداء مبحث التّعادل والتّرجيح.
وممّا ينبغي أن يعلم هو أنّه ليس مورد تلك العنوانين ما إذا وقع التّنافي بين الدّليلين ، على وجه لا يزول ولا يرتفع أصلا ، فلا مناص حينئذ إلّا من الأخذ بأحدهما وطرح الآخر ، بل موردها ما إذا وقع التّنافي بينهما بحسب الظّهور والدّلالة بالنّظر البدويّ الأوّليّ ، على وجه يزول ويرتفع بالنّظر الدّقيّ الثّانوي وهو بأحد العناوين المذكورة ، فلنا أن نذكر ما ورد في تعريف كلّ واحد من تلك العناوين كي يتّضح الحال.
أمّا عنوان التّخصّص ، فهي عبارة عن خروج شيء من دليل وخطاب موضوعا ، خروجا تكوينيّا وجدانيّا بلا عناية من العقلاء ، كالمستثنى المنقطع في قولنا : «جاءني القوم إلّا الحمار» و «أكرم العلماء إلّا الجهّال» ونحوهما ، ولا ريب ، أنّه لا يعقل إذا وقوع التّنافي في مورده ؛ ولذا ليس تسمية التّخصّص بالجمع العرفيّ إلّا بنحو