المورد السّادس : ما إذا دار الأمر بين التّصرّف في منطوق أحد الدّليلين ومفهوم الآخر ، نظير قوله عليهالسلام : «إذا خفي الأذان ، فقصّر» وقوله عليهالسلام : «إذا خفي الجدران ، فقصّر» بناء على وجود المفهوم للشّرط ، فيقع حينئذ التّعارض بين مفهوم كلّ ومنطوق الآخر ، بتقريب : أنّ مقتضى التّحديد بخفاء الأذان هو انتفاء الحكم عند سماع الأذان ، سواء خفي الجدران أم لا ، ومقتضى التّحديد بخفاء الجدران هو انتفاء الحكم عند عدم خفائه ، سواء سمع الأذان أم لا ، فيقع التّعارض بين مفهوم ما دلّ على خفاء الأذان ومنطوق ما دلّ على خفاء الجدران فيما إذا خفي الجدران ولم يخف الأذان ، حيث إنّ مقتضى المفهوم عدم وجوب القصر ومقتضى المنطوق وجوبه كما أنّه يقع التّعارض بين مفهوم ما دلّ على خفاء الجدران ومنطوق ما دلّ على خفاء الأذان فيما إذا خفي الأذان ولم يخف الجدران ، حيث إنّ مقتضى المفهوم عدم وجوب القصر ومقتضى المنطوق وجوبه ، فإمّا يقيّد مفهوم كلّ بمنطوق الآخر ، فينتج أنّ أحد الأمرين (خفاء الأذان والجدران) كاف في تحقّق حدّ التّرخص ، بمعنى : أن ترفع اليد عن الإطلاق الأوي فيكون كلّ واحد منهما سببا ما لم يسبقه الآخر ؛ أو يقيّد إطلاق منطوق كلّ بمنطوق الآخر ، فينتج أنّ كلا الأمرين معتبران في حدّ التّرخص ، بمعنى : أن ترفع اليد عن الإطلاق الواوي ، فيكون كلّ منهما بمنزلة الجزء للسّبب.
فإن قيل : بأقوائيّة المنطوق ـ دلالة وظهورا ـ من المفهوم ، تعيّن تقييد مفهوم كلّ بمنطوق الآخر ، وإلّا فلا ترجيح في البين ، ولا بيّنة لدعوى أقوائيّة المنطوق ، ومجرّد كونه أمرا أصليّا وكون المفهوم أمرا تبعيّا يستتبعه المنطوق ، لا يوجب أقوائيّته ، فلا بدّ من الملاحظة والدّقّة في كلّ مورد مورد.