فتحصّل : أنّه لو قيل بالتّحديد وتقييد التّكليف بالاضطرار ، لم يكن بينه وبين فقد الموضوع بفقد بعض أطراف العلم الإجماليّ فرق ، بل تقييد الحكم ببقاء الموضوع وعدم فقده أولى من تقييده بالاضطرار.
هذا ، مضافا إلى أنّ الاضطرار ليس من حدود التّكليف وقيوده ، بتقريب : أنّ الاضطرار العقليّ وهو العجز لا شأن له إلّا التّعذير ، فلا يحدّد التّكليف بناء على ما حرّرنا في غير موضع بما لا مزيد عليه ، من أنّ التّكاليف تكون فعليّة بالنّسبة إلى جميع المكلّفين حتّى المضطرّين والعاجزين.
غاية الأمر : أنّ العجز والاضطرار عذر للمكلّف وقصور فيه مع كون التّكليف تامّا لا قصور فيه أصلا ، فإذا لا يرفع بالاضطرار التّكليف في المقام ، بل هو باق بحاله ، كما أنّ الحقّ هو أنّه لا شأن للاضطرار العرفيّ ـ وهو المراد من حديث الرّفع ـ إلّا التّعذير ـ أيضا ـ كالعقليّ ، فلا مجال لما عن الإمام الرّاحل قدسسره من أنّ الاضطرار العرفيّ الّذي إليه مآل حديث الرّفع يكون حدود التّكليف الشّرعيّ. (١)
وكذلك ظهر ، أنّ ما عن المحقّق الخراساني قدسسره من منافاة الاضطرار الموجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا ، للعلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا ، ممّا لا وجه له ؛ بداهة ، أنّه لا اتّحاد بين متعلّق الاضطرار ، وبين متعلّق التّكليف ، فمتعلّق التّكليف كالحرمة ـ مثلا ـ هو شرب الخمر ، ومتعلّق الاضطرار ليس هو شرب الخمر ، إذ المفروض أنّه يضطرّ إلى شربها بالخصوص بل متعلّقه هو أحد الإنائين ، إمّا تخييرا أو تعيينا ، كما هو محلّ الكلام فعلا.
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٣٣٥.