ابن قبة المتقدّمة.
ولا يخفى : أنّ هذا المبنى فاسد جدّا ، لا ينبغي أن يتفوّه به عاقل ، وقد أورد عليه العلامة قدسسره باستلزامه للدّور ؛ إذ الواقع حينئذ متوقّف على قيام الإمارة ، وقيامها ـ أيضا ـ متوقّف على الواقع ، حيث إنّه لو لم يكن في الواقع شيء فما معنى حكاية الأمارة وكشفها عنه ، فتأمّل.
القسم الثّالث : ما التجأت به المعتزلة ، من أنّ الحكم الواقعيّ المشترك بين العالم والجاهل وإن كان موجودا مع قطع النّظر عن قيام الإمارة ، إلّا أنّه ينقلب ويتبدّل بقيامها على خلافه ، فيصير مؤدّى الأمارة حكم الله الواقعيّ بقاء بعد ما كان ذلك المشترك كذلك حدوثا ، فلا مجال إذا للدّور الّذي أورده العلّامة قدسسره على الأشاعرة.
فالأشاعرة والمعتزلة قائلتان بكون الحكم الواقعيّ تابعا للأمارة ، غاية الأمر ، بناء على قول الأشاعرة ، تكون التّبعيّة من البدو وزمن الحدوث بحيث لا حكم غير مؤدّاها ، فلا مخالفة ولا موافقة في البين ، وأمّا بناء على قول المعتزلة تكون التّبعيّة حسب البقاء إذا قامت الأمارة على الخلاف ، فعلى هذا المسلك قد توافق الأمارة للواقع ، وقد تخالفه له.
إذا عرفت تلك الأقسام ، فنقول : إنّ مقتضى القسم الثّاني والثّالث هو أنّ التّعارض بين الدّليلين ، إمّا يكون بوجه التّناقض أو بوجه التّضاد ، فإن كان بوجه التّناقض ، كدلالة أحد المتعارضين على وجوب شيء ، والآخر على عدم وجوبه ، يستحيل دخوله في باب التّزاحم ؛ بداهة ، أنّ التّزاحم إنّما يكون في موقف الامتثال والإطاعة ، ولا منشأ له إلّا العجز وعدم القدرة ، وأمّا التّعارض ـ على السّببيّة ـ فهو