القسم الأوّل : ما التجأ به بعض الإماميّة (١) ـ بعد ما تحيّر وعجز عن حلّ شبهة ابن قبة وهي أنّ التّعبد بغير العلم ، مستلزم لتحليل الحرام أو تحريم الحلال والوقوع في المفسدة وتفويت المصلحة ـ من القول بالمصلحة السّلوكيّة ، ومعناه : هي المصلحة في السّلوك على طبق الأمارة وتطبيق العمل عليها ، كالتّسهيل على المكلّف ونحوه بلا دخل وتأثير لها في متعلّقها ، حسنا وقبحا ، مصلحة ومفسدة ، ففي التّطرق بالأمارة وتطبيق العمل عليها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع على تقدير مخالفتها له من دون أن ينقلب الواقع عمّا هو عليه ، بل يبقى على ما كان عليه من المصلحة والمفسدة أو الحسن والقبح ، فلا يكون الحكم تابعا للأمارة لا حدوثا ولا بقاء ، بل الأمارة تابعة له ، ونتيجة بقاء الواقع ، وجوب الإعادة والقضاء عند انكشاف الخلاف في الوقت أو خارجه.
ولا يخفى : أنّ السّببيّة على هذا المعنى لا فرق بينها وبين الطّريقيّة في عدم دخول التّعارض معها في باب التّزاحم ، حيث إنّ المصلحة السّلوكيّة إنّما تكون قائمة بالأمارة الّتي تكون حجّة لا بمطلق الأمارة ولو لم تكن حجّة. وقد تقدّم أنّ دليل الحجّيّة لا يعمّ المتعارضين البتّة ، فيسقطان على ما هو مقتضى الأصل والقاعدة.
القسم الثّاني : ما التجأت به الأشاعرة ، من إنكار الحكم الواقعيّ بالمرّة والقول بأنّ الواقع ليس إلّا مؤدّى الأمارة ، فبقيام الأمارة على وجوب شيء تحدث فيه مصلحة ملزمة ، فيجب ، وعلى حرمته تحدث فيه مفسدة ملزمة ، فيحرم ، وهكذا ، ومعنى ذلك : هو أنّه لا واجب ولا حرام سوى مؤدّى الأمارة ، وعليه ، فلا مجال لشبهة
__________________
(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١١٣ إلى ١١٥ ؛ ومصباح الاصول : ج ٣ ، ص ٣٧٠.