وقول بانحلال العلم وعدم تنجيزه وهو ما اختاره المحقّق الخراساني قدسسره ، والدّليل عليه هو ما اشير إليه في المقام الأوّل : من أنّ التّرخيص ـ لأجل الاضطرار ـ في بعض أطراف العلم بلا تعيين ، لا يجامع العلم بالتّكليف الفعليّ من الحرمة أو الوجوب ، بل يزول حينئذ العلم به ، فيزول التّنجيز الّذي يدور مداره وجودا وعدما ، حدوثا وبقاء ، وعليه ، فتصير الشّبهة في غير ما يختاره للاضطرار بدويّة تجري فيه البراءة. (١)
وبعبارة اخرى : لا علم حينئذ بثبوت التّكليف وباشتغال الذّمة حتّى يقتضي البراءة وفراغ الذّمة يقينا ، فلا يكون في البين شكّ في سقوط الذّمة وفراغها حتّى يجري الاشتغال ، بل يكون الشّكّ عندئذ شكّا في ثبوت التّكليف وأصل اشتغال الذّمة فتجري البراءة في مثل ذلك.
هذا ، ولكن الصّحيح ما اختاره الشّيخ الأنصاري قدسسره فقال في وجهه ما حاصله : إنّ الاضطرار في الفرض لم يتعلّق بخصوص الحرام حتّى يرفع حرمته ، بل تعلّق بالجامع بينه وبين الحلال ، فما هو متعلّق الاضطرار لا يكون متعلّق الحرمة ، وما هو متعلّق الحرمة ليس متعلّق الاضطرار ، فلا مصادفة بين عنوان العلم الإجماليّ والاضطرار ، ولا منافاة ولا مزاحمة بينهما ، وحينئذ لا وجه لرفع التّكليف المعلوم بالإجمال المنجّز بالعلم الإجماليّ بمجرّد الاضطرار إلى الجامع ، بل المقام نظير ما لو اضطرّ إلى شرب أحد الماءين مع العلم التّفصيليّ بحرمة أحدهما المعيّن ، فهل يمكن أن يقال : بارتفاع حرمة شرب ذلك المعيّن للاضطرار إلى شرب أحدهما غير المعيّن.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢١٦.