ومن العجب أنّه قدسسره ذهب ـ مع ذلك الالتزام ـ إلى عدم جريان البراءة في الطّرف الآخر الباقي ، بدعوى : أنّ الحرمة إنّما ترتفع بعد اختياره للحرام ، رفعا للاضطرار ، وأمّا قبل ذلك فالحرمة المعلومة إجمالا كانت فعليّة منجّزة ، فالمقام يكون نظير الاضطرار إلى واحد معيّن من الأطراف بعد العلم الإجماليّ بالتّكليف وبعد سقوط الاصول في أطرافه للمعارضة ، فكما يقتصر في رفع التّكليف على خصوص مورد تحقّق الرّافع له وهو أحد الطّرفين في الاضطرار إلى المعيّن ويكون الحكم باقيا على تنجّزه في الطّرف الآخر ، كذا الأمر في المقام ، فيقتصر في رفع التّكليف فيه على خصوص ما يختاره المكلّف من أحد الطّرفين ويبقى الحكم على تنجّزه في الطّرف الآخر الّذي لم يختره.
وأنت تعلم ، أنّ التزامه قدسسره بسقوط التّكليف وارتفاع الحرمة عن الحرام الواقعيّ باختيار المكلّف للمضطرّ إليه ، لا يجتمع مع ذهابه إلى تنجّز التّكليف في الطّرف الآخر وعدم جريان البراءة فيه ، بل لا مناص من الالتزام ، إمّا بعدم ارتفاع الحرمة واقعا وعدم سقوط التّكليف وهو المختار ، وإمّا بعدم تنجّزها وسقوطه بالمرّة حتّى في الطّرف الآخر وهو مختار المحقّق الخراساني قدسسره.
وقد اجيب عنه بأنّ الحرمة الواقعيّة تدور مدار ملاكها وجودا وعدما ، حدوثا وبقاء ، بلا تأثير لإرادة المكلّف واختياره فيها وضعا ورفعا ، فلا ترتفع حرمته بإرادته واختياره له جهلا لرفع اضطراره ، ودعوى : أنّ الحرام الواقعيّ بعد اختياره في الفرض اتّفاقا ، يكون مصداقا للمضطرّ إليه ، كما ترى ، ضرورة عدم انقلاب الاضطرار إلى أحد الإنائين لا بعينه إلى الاضطرار إلى المعين لأجل إرادة المكلّف واختياره.