على أنّه كيف يعقل الحكم بحرمة الحرام الواقعيّ إلى زمن اختيار المكلّف وإرادته له ثمّ الحكم بارتفاع حرمته بإرادته واختياره ، وأنت تعلم ، أنّ جعل الحرمة لشيء إنّما يكون لأجل صرف الاختيار والإرادة عن الحرام في الكتاب والسّنّة ، فارتفاعها بالاختيار والإرادة يؤول إلى اللّغويّة بالضّرورة.
وفيه : أنّ مقصود المحقّق النّائيني قدسسره هو أنّ ما اختاره المكلّف لرفع اضطراره على تقدير كونه حراما واقعيّا ، يصير مصداقا للمضطرّ إليه قهرا ، فترفع حرمته بحديث الرّفع ، وأنت ترى ، أنّ هذا أجنبيّ عمّا ذكره المجيب.
ثمّ إنّ الكلام في غير الاضطرار من الأعذار الأخر ، كالإكراه ونحوه هو الكلام في الاضطرار ، فيجري فيها ما ذكرناه فيه. هذا تمام الكلام في التّنبيه الأوّل.
التّنبيه الثّاني : اعلم أنّ الكلام في هذا التّنبيه يقع في أمرين ، قد أشار إليهما المحقّق الخراساني قدسسره (١) ، الأوّل : أنّه لا بدّ في فعليّة التّكليف من اعتبار كون المكلّف به موردا للإبتلاء ، بحيث لو خرج عن مورد الابتلاء لكان مانعا عن فعليّته ، والوجه فيه ـ على ما أفاده قدسسره ـ هو أنّه لو لم يعتبر الابتلاء بجميع الإطراف الإجماليّ في تأثيره ومنجّزيّته للتّكليف المعلوم بالإجمال ـ مع فرض كون النّهي لإيجاد الدّاعي إلى التّرك ـ لكان التّرك حاصلا قهرا ، فيصير النّهي لغوا منافيا للحكمة ، بل طلبا لأمر حاصل أو طلبا لترك أمر متروك قهرا وبلا طلب ، وأنت تعلم ، أنّ إعدام المعدوم وترك ما هو متروك محال كإيجاد الموجود وطلب ما هو حاصل.
وإن شئت ، فقل : العلم الإجماليّ إنّما يؤثّر وينجّز إذا تعلّق بتكليف فعليّ ، ومع
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢١٨ و ٢٢٣.