الأوّل : رواية أبي الجارود ، قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقلت له : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال عليهالسلام : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنّه ميتة ، فلا تأكله ، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل ، والله إنّي لأعترض السّوق فأشتري بها اللّحم والسّمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون ، هذه البربر وهذه السّودان» (١).
تقريب دلالة هذه الرّواية على عدم تنجّز العلم الإجماليّ إذا كانت الشّبهة غير محصورة ، واضح ، إلّا أنّ جمعا من الأساطين ومنهم الشّيخ الأنصاري قدسسره (٢) ذهبوا إلى أنّ هذه الرّواية أجنبيّة عن مورد العلم الإجماليّ في الشّبهات غير المحصورة ، بل هي ناظرة إلى الشّبهات البدويّة الّتي تجري فيه البراءة.
وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ إذا فرض أنّ الجبن المأخوذ من الميتة في مكان خاصّ ، لم يكن موجودا في الأسواق ، بل الموجود فيها هو سائر أفراده الّذي يكون مشكوك النّجاسة والطّهارة بشكّ بدويّ ، وأنت ترى ، أنّ هذا الفرض مخالف لظاهر قوله عليهالسلام :«أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة ...» إذ له ظهور واضح في أنّ الجبن المأخوذ من الميتة ـ أيضا ـ موجود في الأسواق ، كسائر أفراده غير المحصورة ، وصار ذلك سببا لحصول العلم الإجماليّ للمكلّف بأنّ واحدا من تلك الأفراد الموجودة في الأسواق يكون نجسا مأخوذا من الميتة ، فسأل عن الإمام عليهالسلام بأنّه ، هل يجب الاجتناب عن جميع أفراد الجبن مع عدم حصرها ، أم لا؟ فقد أنكر عليهالسلام وجوب الاجتناب و
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٧ ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٥ ، ص ٩١.
(٢) راجع ، فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ٢٦٣ و ٢٦٤.