من باب التّأثير والعلّيّة ، وكذا بعض النّصوص ، كقول أبي عبد الله عليهالسلام : «إذا كان الماء قدر كرّ ، لم ينجّسه شيء» (١) ومفهومه «إذا لم يكن قدر كرّ ، ينجّسه شيء» فإنّ ظاهر هذا التّعبير هو التّأثير والعلّيّة ، بمعنى : أنّ نجاسة الشّيء كالدّم ، سببا لنجاسة الماء على تقدير عدم كريّته.
وقد ادّعى المحقّق العراقي قدسسره أنّ كلمات الأصحاب مشحونة بالسّراية ، بمعنى : السّببيّة ، كما يشهد له بناءهم على ملاحظة السّببيّة والمسبّبيّة بين الملاقي والملاقى ، والتزامهم بعدم معارضة أصالة الطّهارة في الملاقي مع استصحاب النّجاسة في الملاقى. (٢)
والّذي يدلّ على ما قلناه من كون الاحتمال الثّاني هو الظّاهر : أنّ تنجيسات الشّرعيّة ليست إلّا كالتّنجيسات العرفيّة ، فكما أنّ ملاقي القذارات العرفيّة يصير قذرا بالاكتساب والعلّيّة ، كذلك الملاقي للقذارات الشّرعيّة.
ولك أن تستظهر السّببيّة والعلّيّة في مسألة الطّهارة والنّجاسة من أدلّة مطهّريّة الماء والأرض والشّمس ، وتقول : كما أنّ المطهّرات تكون من علل زوال النّجاسة وارتفاعها ، كذلك المنجّسات تكون من علل تحقّق النّجاسة وحدوثها ، فلا سراية ، بمعنى : الاتّساع ، ولذا يختلف الملاقي في كثير من الأحكام مع الملاقى (بالفتح).
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١ ، كتاب الطّهارة ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦ ، ص ١١٨.
(٢) راجع ، نهاية الأفكار : ج ٣ ، ص ٣٥٥.