ثانيها : أنّ الشّكّ فيه ملحق بالشّكّ في المكلّف به ، فتجري فيه الاشتغال عقلا ونقلا.
ثالثها : أنّه يفصّل بين البراءة العقليّة ، فلا تجري ، بل مقتضى الحكم العقليّ هو الاشتغال ، وبين البراءة الشّرعيّة ، فتجري ، وهذا ما اختاره المحقّق الخراساني قدسسره (١) وتبعه المحقّق النّائيني قدسسره (٢).
والحقّ هو القول الأوّل : ومستند ذلك بالنّسبة إلى البراءة العقليّة ـ كما أشاره إليه الشّيخ الأنصاري قدسسره ـ وجهان :
الوجه الأوّل : أنّ وجوب الأقلّ متيقّن ، إمّا بوجوب نفسيّ إذا كان الواجب هو نفسه ، أو بوجوب غيريّ إذا كان الواجب هو الأكثر ، وهذا بخلاف وجوب الأكثر ، فإنّه ممّا يشكّ فيه بشكّ بدويّ ، فتجري فيه البراءة قضاء لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.
ولا يخفى : أنّ هذا الدّليل يتوقّف على ثبوت أمرين في المقام : أحدهما : اتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيريّ ؛ إذ لو لم تتّصف به ، لما صحّ أن يقال : وجوب الأقلّ متيقّن على كلّ تقدير (من النّفسيّ أو الغيريّ) إذ المفروض حينئذ أنّه لا وجوب لها إلّا نفسيّا فقط ، وهذا ممّا يشكّ في تعلّقه بالأقلّ أو الأكثر.
هذا ، ولكن يشكل على هذا الأمر بأنّه لم يثبت ، بل ثبت في مبحث مقدّمة الواجب ، أنّ الأجزاء الدّاخليّة يستحيل اتّصافها بالوجوب الغيريّ ؛ بداهة ، أنّ
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ١٥١.
(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٢٧ إلى ٢٣٤.