وعليه : فالغرض ـ حسب مقام الإثبات ـ إذا كان من قبيل الأوّل ، يجب القطع بحصوله ، سواء تعلّق الأمر بنفس الغرض ـ كالإحراق ، أو القتل ، أو الطّهارة ـ أو بعلّته ـ كالإلقاء ، أو فري الأوداج ، أو الوضوء ـ ففي مثل ذلك لو دار الأمر بين الأقلّ والأكثر ، يجب الاحتياط بإتيان الأكثر.
وأمّا إذا كان من قبيل الثّاني ، فليس حصول الغرض متعلّقا للتّكليف ؛ إذ لا يصحّ التّكليف بغير المقدور ، فلا يجب على المكلّف إلّا إتيان نفس ما امر به وهو الفعل المأمور به ، ففي مثل ذلك لو دار الأمر بين الأقلّ والأكثر ، يجب الإتيان بالأقلّ للعلم بوجوبه على كلّ حال ويجري الأصل في الأكثر ، لعدم العلم به. هذا فيما إذا علم بكون الغرض داخلا في أحد القسمين.
وأمّا إذا شكّ في ذلك ولم يعلم أنّه من أيّ قسم منهما ، فلا مناص من الرّجوع إلى الأمر وملاحظته ، فإن تعلّق بنفس الغرض ، كالأمر بالطّهارة من الحدث في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(١) يعلم أنّ الغرض مقدور لنا ، ويجب الاحتياط عند الدّوران ، كما يحتاط عند الشّكّ في المحصّل ؛ وإن تعلّق بنفس الفعل المأمور به ـ كالأمر بالصّلاة والصّوم ونحوهما ـ يعلم أنّ الغرض ليس بمقدور لنا ، فلا يجب الاحتياط عند الدّوران ، بل اللّازم هو الإتيان بما أمر به فقط بلا لزوم إحراز أنّه هل يكون وافيا بغرض المولى أم لا؟ إذ ليس إحرازه من وظيفتنا ، بل هو من وظيفة الآمر ، نظرا إلى أنّ الغرض ، كالتّكليف لا بدّ من قيام البيان عليه ووصوله إلى العبد ، إمّا بنفسه ، أو بطريقه ، كإيجاب الاحتياط ، وكما تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في
__________________
(١) سورة المائدة (٥) ، الآية ٦.