ليس إلّا شيئا واحدا بسيطا بلا شكّ فيه من حيث الأقليّة والأكثريّة ، والشّكّ من هذه الحيثيّة إنّما هو في سببه المحصّل له ، فلا مناص للمكلّف من إتيان العمل على نحو يحصل له اليقين بفراغ ذمّته عن الشّغل اليقينيّ وهو لا يحصل إلّا بمراعاة الاحتياط بإتيان كلّ ما له دخل في السّبب.
وإن شئت ، فقل : إنّ تعلّق الأمر بالواحد البسيط وهو المأمور به متيقّن ، والشّكّ إنّما هو في أنّه هل يحصل بإتيان سببه مع الاقتصار على قدر الأقلّ منه ، أو اللّازم هو إتيان قدر الأكثر منه؟ ـ أيضا ـ فلا ينبغي لأحد أن يرتاب في لزوم إتيان الأكثر تحصيلا لليقين بفراغ الذّمّة ، حيث إنّ الاكتفاء بمقدار الأقلّ لا يوجب اليقين بتحصيل المأمور به ، بل الشّكّ باق على حاله.
ثمّ ، اعلم ، أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون العنوان البسيط (المأمور به) ذا مراتب مختلفة ، فيحصل وجوده تدريجا ، وبين أن يكون فاقدا للمراتب ، فيحصل وجوده دفعا ، وقد خالف في ذلك ، المحقّق العراقي قدسسره حيث فرّق بينهما ، فقال : بجريان البراءة في التّدريجيّ ، وجريان الاحتياط في الدّفعيّ (١). وضعفه واضح ، لوحدة مناط الاحتياط ـ حسب ما عرفت آنفا ـ في الموردين.
التّنبيه الثّاني : أنّ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، كما يفرض في الشّبهة الحكميّة ـ على ما عرفت حاله من المباحث الماضية ـ كذلك يفرض في الشّبهة الموضوعيّة ، نظير قولنا : «أكرم كلّ عالم» فإذا علم بوجود عدّة من العلماء في الخارج وشكّ في بعض آخر أنّه عالم ، أم لا؟ يكون الحكم بوجوب الإكرام مردّدا بين الأقلّ و
__________________
(١) راجع ، نهاية الأفكار : ج ٣ ، ص ٤٠١ و ٤٠٢.