وقد وردت ـ أيضا ـ من طريقتنا عن ابن أبي جمهور الأحسائي ، قال : «وروي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ الله كتب عليكم الحجّ ، قال : فقام الأقرع بن حابس ، فقال : في كلّ عام يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فسكت ، ثمّ قال : لو قلت : نعم ، لوجب ثمّ إذا لا تسعون ولا تطيقون ، ولكن حجّة واحدة».
وكيف كان ، لا يمكن الاعتماد بهذه الرّواية سندا ودلالة.
أمّا السّند ، فلكونها من المراسيل الضّعاف ، والرّاوي لها هو أبو هريرة الّذي يكون متّهما بالتّعمد في الكذب على الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. والقول بالانجبار بعمل الأصحاب ليس له مجال ما لم يحرز استنادهم إليها في مقام العمل والإفتاء. نعم ، هذه الرّواية تكون موافقة لفتاويهم ـ لو قيل : بتماميّة دلالتها على المدّعى ـ ولكن مجرّد موافقة فتوى الأصحاب لرواية ضعيفة غير مجدية للانجبار ما لم يحرز الاستناد.
أضف إلى ذلك كلّه ، إنّ كتاب «عوالي اللّئالي» ممّا لا ينبغي أن يركن إليه ، وقد قدح على هذا الكتاب صاحب الحدائق قدسسره (١) الّذي ليس من دأبه القدح في كتب الأخبار.
أمّا الدّلالة ، فلأنّ المحتملات في الرّواية ثلاثة :
الأوّل : أن تكون كلمة : «من» تبعيضيّة متعلّقة مع مجروره ـ الضّمير الرّاجع إلى كلمة : «شيء» ـ بكلمة : «استطعتم» وتكون كلمة : «ما» موصولة ومفعولا لكلمة : «فأتوا» فالاستدلال بها على هذا تامّ يكون مفاد الرّواية وجوب الإتيان بما هو المقدور الميسور من أجزاء المأمور به وشرائطه.
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٤٧٨.