وفيه : أوّلا : أنّ هذا المعنى لا ينطبق على مورد الرّواية وهو الحجّ ، فإنّ من يعلم أنّه لا يقدر على الطّواف أو مثله من مناسك الحجّ ، لا يكون مستطيعا ، ولا يجب عليه الإتيان بالبقيّة إجماعا.
وثانيا : أنّ السّؤال في الرّواية إنّما يكون عن وجوب تكرار الحجّ في كلّ سنة ، ولا يناسبه الجواب بوجوب الإتيان بالمقدار الميسور من أجزاء المركّب الواحد وشرائطه.
الاحتمال الثّاني : أن تكون كلمة : «من» بيانيّة ، وكلمة : «ما» موصولة ، والمعنى على هذا هو وجوب الإتيان بالمقدار الميسور من أفراد الطّبيعة المأمور بها ، لا وجوب الإتيان بالمقدار الميسور من أجزاء تلك الطّبيعة وشرائطها بعد تعذّر الإتيان بأجزائها وشرائطها بأسرها.
وفيه : أنّ هذا الاحتمال وإن كان جيّدا وجيها ، إلّا أنّه لا ينطبق على المورد ـ أيضا ـ إذ لا يجب الإتيان بالمقدار الميسور من أفراد الحجّ في كلّ عام بلا خلاف بين الفريقين إلّا ممّن لا يعبأ به ، بل هذا الاحتمال خلاف صريح الرّواية لأجل صراحتها في عدم الوجوب في كلّ سنة ، حيث قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو قلت : نعم ، لوجب ولما استطعتم.
الاحتمال الثّالث : أنّ كلمة : «من» إمّا تكون زائدة ، نظير قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)(١) وإمّا تكون بمعنى : «باء» للتّعدية ، وتكون كلمة : «ما» مصدريّة زمانيّة ، والمعنى على هذا الاحتمال هو وجوب الإتيان بالمأمور به حين الاستطاعة وزمان القدرة.
ولا يخفى عليك : أنّه مع انتفاء الاحتمالين الأوّلين وعدم إمكان الالتزام بهما ،
__________________
(١) سورة النّور (٢٤) ، الآية ٣٠.