ففي الحالة الأولى : الاقتران يوجب الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر.
وفي الحالة الثانية : غاية ما يوجبه القرن بينهما هو الملازمة بين التصورين ، بحيث ينتقل من أحد التصورين إلى التصور الآخر ، ولا يعقل أن يكون هذا الانتقال إلّا انتقالا تصوريا ، لأنه فرع الملازمة ، والملازمة قائمة هنا بين التصورين ، فينتقل من تصور إلى تصور آخر.
إذن فالانتقال إما أن يكون بلحاظ القرن بين الوجودين الخارجيين فيكون تصديقيا ، وإما بلحاظ القرن بين التصورين فيكون تصوريا. وعليه ففي محل الكلام إذا فرض أن الواضع قرن بين وجود اللفظ ووجود الإرادة ، وجعل ملازمة بينهما ، فيكون الانتقال تصديقيا كالانتقال من النار إلى الحرارة ، إلّا أن هذا خلف ، لأننا نتكلم بناء على مسلك الاعتبار ، وإن قرن الواضع بينهما بلحاظ الصورتين الذهنيتين ، فيستحيل أن يكون هذا القرن موجبا إلّا للملازمة في عالم التصور ، وتلك الملازمة لا توجب إلّا الانتقال من تصور إلى تصور.
وأمّا أن هذا التصور هل هو مطابق للواقع أو ليس مطابقا للواقع؟ فهذا ليس في عهدة القرن والوضع ، بل هو في عهدة شيء آخر.
إذن فالاحتمال الثالث في نفسه غير معقول بناء على مسلك الاعتبار ، وإنما المعقول بناء عليه ، هو أحد الاحتمالين الأولين ، وهو أن يكون المأخوذ في المعنى مفهوم الإرادة بوجه كلي أو بوجه جزئي ، ولا تتغير الدلالة من تصورية إلى تصديقية ، فالانتقال إلى السائل المقيّد انتقال تصوري. فكما لا يكشف مثل هذا الانتقال التصوري تصديقا عن وجود السائل في الخارج ، كذلك لا يكشف تصديقا عن وجود الإرادة خارجا. فحال القيد هو حال المقيّد ، والدلالة دلالة تصورية محضة. وهذا لا ينافي القول بوجود دلالة تصديقية ، لكن ليس منشؤها هو الوضع ، بل إمارة حالية وهي إمارة الغلبة ، وذلك لأن الغالب في حال تكلم العاقل بكلام موضوع لمعنى أن يقصد تفهيم