وقد أجاب عن ذلك صاحب الكفاية (١) (قده) بالتمييز بين العلم المتوقف على التبادر ، والعلم الذي يتوقف عليه التبادر ، فادّعى أنّ العلم الذي يتوقف على التبادر هو العلم التفصيلي بالوضع ، والعلم الذي يتوقف عليه التبادر هو العلم الارتكازي بالوضع ؛ فهذان نحوان من الوجود لهذا العلم : وجود إجمالي مقترن مع الغفلة ، ووجود بارز ظاهر لا يتلاءم مع الغفلة ، وحينئذ المتوقف على التبادر هو العلم التفصيلي البارز. وأما التبادر فلا يتوقف على العلم التفصيلي بالوضع ، بل يكفي فيه العلم بالوضع بوجوده الإجمالي الارتكازي. إذن فالمتوقف على التبادر غير ما هو متوقف عليه التبادر ، فلا دور في المقام.
وهذا الجواب لا محصّل له ، لأن المقصود من التبادر إمّا تحصيل أصل العلم بالوضع ، وإمّا مجرد تبديل العلم من كونه إجماليا إلى كونه تفصيليا.
فإن كان المقصود بالتبادر هو الأول : فإشكال الدور محكم في المقام ، لأن أصل العلم بالوضع لا بد من فرض وجوده قبل التبادر ، ولو بنحو ارتكازي كيما يكون سببا في إيجاد التبادر ، فكيف يعقل تحصيل أصل العلم بالوضع بهذه العلامة؟.
وإن كان المقصود بالتبادر هو الثاني : فهذا يحصل بمجرد الاستعلام ، والتوجه إلى تحويل العلم الارتكازي إلى علم تفصيلي ، بلا حاجة إلى أن يطلب ذلك بالتبادر. فالذي يريد أن يحوّل علمه الارتكازي إلى علم تفصيلي بالوضع ، فبهذه الإرادة ، وبمجرّد ، الالتفات والتوجه إلى ذلك ، يحصل لديه المطلب ، بدون أن تصل النوبة إلى التبادر.
ولكن الصحيح : إنّ إشكال الدور في المقام لا أساس له أصلا ، لأنه مبني على التصورات المتعارفة في باب الوضع ، من كون الوضع هو الجعل
__________________
(١) حقائق الأصول ج ١ ص ٤٢ ـ ٤٣.