الذي يكون وجوده بمحض الاعتبار ، وكذلك ليس من القسم الأول الذي يكون ثبوته على حدّ ثبوت الإنسان ، وعلى حدّ ثبوت الجواهر والأعراض ، بحيث يكون له وجود خارجي ، إذ من الواضح أن الإمكان ليس له وجود خارجي ، كما برهن عليه في محلّه ، وإلّا لكان للإمكان إمكان ، وهكذا. إذن فالإمكان قسم ثابت من الأمور الثابتة ، وثبوته لا بوجوده الخارجي ، ولا بمحض الاعتبار ، بل بواقعيته ، فهو من الأمور الواقعية المحفوظة في الأمر والواقع نفسه ، من قبيل الملازمات والسببيات ، فإن ملازمة النار للإحراق ، أو سببية النار للإحراق ، هذا أمر واقعي محفوظ في نفسه ، بقطع النظر عن اعتبار المعتبر ، بل هو أمر له واقعية وثبوت.
وحينئذ ، بناء على هذا القسم الثالث يقال : بأن الملازمة بين اللفظ والمعنى التي هي عبارة عن سببية اللفظ للمعنى في عالم الذهن ، وكون اللفظ سببا للمعنى ، فهذا يدخل في القسم الثالث من هذه الأقسام ، فهو ليس أمرا له وجود في الخارج على حدّ وجود الجواهر والأعراض ، ولا هو أيضا أمر اعتباري خيالي من قبيل البحر من زئبق ، بل هو أمر واقعي له ثبوت في الواقع ، فإنه حقيقة يكون اللفظ سببا للمعنى في عالم الذهن ، وليس هذا بأمر خيالي أو ادّعائي.
إذن فالوضع عبارة عن جعل هذه السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى ـ جعل اللفظ سببا للمعنى ـ فهو جعل للسببية الواقعية ، والملازمة الواقعية التي تدخل في القسم الثالث.
هذا بيان صورة هذا المسلك ، وقد اعترض على هذا المسلك السيد الأستاذ بالتهافت المنطقي (١).
وتوضيح الاعتراض الذي اعترض به السيد الأستاذ على هذا المسلك ، هو أن الوضع إذا كان عبارة عن جعل هذه السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى ،
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ـ فياض : ج ١ ، ص ٤٢ ـ ٤٣.