فانفتح بذلك عليه باب الخيرات ، فلا يحتاج تفسير ذلك إلى إلهام مباشر من قبل الله تعالى.
الاستبعاد الثاني : وهو مبني على مسالك الأعلام في باب الوضع ، من كون الوضع عبارة عن التعهد ، أو عبارة عن كون اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى :
حينئذ يقال : بأنه لو كان الإنسان هو الواضع فهذا معناه أنّ الإنسان قبل أن يتكلم بأي كلام ، اتصف بصفة الواضعية ، يعني صار واضعا قبل أن يصير مستعملا ، لأن الإنسان إذا كان هو الواضع ، فمعنى هذا أنه قبل أول وضع لا استعمال لا محالة ، لأن الاستعمال دائما في طول الوضع. إذن فالإنسان كان في وقت ما صامتا ساكتا لا يستعمل أصلا ، ولا يتكلم بشيء ، ثم وضع ألفاظا للمعاني ، فأصبح يتكلم حينئذ ، وأصبح يستعمل هذه الألفاظ في هذه المعاني.
حينئذ نسأل : كيف وضع هذا الإنسان؟.
وضع بالتعهد ، أو بالاعتبار! بهذه المعاني الدقيقة التي هي موقوفة على أن يكون الإنسان له مرتبة عالية من التصرف في المعقولات والمحسوسات ، بحيث ينشئ ملازمات وتعهدات واعتبارات ما بين الألفاظ والمعاني!.
ومن البعيد جدا ، أن الإنسان يصل إلى هذه الدرجة الذهنية ، والعقلانية ، بحيث يصدر منه التعهدات والتنزيلات الاعتبارية ، وهو بعد حتى الآن لا يملك لغة ، فهو صامت ساكت لا يتكلم مع أحد ، إلى أن يبلغ هذه المرتبة من التعقل والتفكر والتفلسف ، حينئذ بعد هذا يضع الألفاظ للمعاني ، ويشرع في الكلام.
ومن البعيد جدا تصور الإنسان قبل أن يتكلم بأي شيء ، أنه كان مركزا للاطلاعات ولأفكار عالية بهذه الدرجة والترتيب ، ومن كانت له أفكار عالية بهذا الترتيب كيف بقي ساكتا طول هذه المدة؟. ألم ينقدح حينئذ في نفسه أمور ورغبات وحاجات؟!. وهذا بخلاف ، ما إذا قلنا : بأن هذه المعاني العقلانية (الدقيقة ، قام الله تعالى بعهدتها ، وليس الإنسان منشئا لها ، لأن الله