على كثيرين ـ فهذا الحكم علّقه على مفهوم الجزئي ، ومفهوم الجزئي بالنظر التصوري الأولي واجد للجزئية ، وهذا يكفي لإصدار الحكم لأن بشخص هذا النظر التصوري الأولي الحاكم يراه أهلا لهذا الحكم ، ولهذا المحمول. لكن في المرحلة الثانية مرحلة ثبوت هذا المحمول لهذا الموضوع ، المحمول بحسب الحقيقة إنما يثبت لما يكون جزئيا بالنظر التصديقي ، لا لما يكون جزئيا بالنظر الأولي ، إذن فمفهوم الجزئي نفسه هذا الذي كان موضوعا للحكم في مرحلة إصدار الحكم ، ليس موضوعا للمحكوم به حقيقة في المرحلة الثانية ، لأنه بالنظر التصديقي ليس جزئيا ، بل هو كلي بحسب الحقيقة ، وهكذا بقدرة قادر صار هذا الحكم معلّقا على مفهوم الجزئي ، ولكن المحكوم به وهو المحمول ، ثابت بحسب الحقيقة لغير مفهوم هذا الجزئي ، أي ثابت لأشياء أخرى ـ لزيد وبكر ، وعمر ـ لا لمفهوم هذا الجزئي.
فإذا تعقّلنا هذا المطلب في مثال ـ الجزئي يمتنع صدقه على كثيرين ـ ، والآن إذا أبدلنا ـ صدقه على كثيرين ـ بالوضع ، أي أبدلنا المحمول بالوضع نقول :
وضعت كلمة إنسان للجزئي من الإنسان ، إذن فالأمر في الوضع كالأمر في قولنا ـ الجزئي يمتنع صدقه على كثيرين ـ. بمعنى أن الواضع يتصور مفهوم الجزئي ـ مفهوم الفرد والخاص ـ الذي هو بالنظر الأولي التصوري ، خاص وجزئي ، وأصدر حكمه بوضع اللفظ له ، ولكن الحكم يستقر على ما يكون خاصا بالنظر التصديقي ، فالمحكوم به هنا هو ما كان يحسب الحقيقة بالنظر التصديقي خاصا ، لا ما كان بالنظر التصوري خاصا ، إذن فالوضع يصير ـ لزيد ، وبكر ، وخالد ـ الذي هو بالنظر التصديقي خاص ، تماما ، من قبيل قولنا ـ الجزئي لا يصدق على كثيرين ـ فكما أصدرنا الحكم على الجزئي نفسه ـ مفهوم الجزئي ـ ولكن واقع الحكم ثابت لواقع الجزئيات ـ لزيد وبكر ـ ، كذلك هنا أيضا فقد أثبتنا الحكم بالوضع لعنوان الجزئي ، ولكن العلاقة الوضعية تثبت لواقع الجزئي ، ولما يكون جزئيا بالنظر التصديقي.