العموم على عمومه جدا ، ولا الخاص على خصوصه جدا ، وذلك من قبيل النحو الآخر من المخصص المتصل ، كما لو قال ، «أكرم كلّ فقير» ، «ولا تكرم فسّاق الفقراء» ، بأن أتى بالمخصص جملة مستقلة ، فالجملة الثانية مخصّصة للأولى ، لكن ليس في مرحلة المدلول التصوري ، لأنها إنّما هي بنكتة عقليّة هي ، استحالة أن يريد المولى إكرامهم كلهم ولا يريد إكرام بعضهم ، وذلك لاستحالة صدق الموجبة الكليّة مع السالبة الجزئية ، للتناقض بين القضيتين ، أي انّ المخصص هنا ، قرينة على أنّ الموجبة الكليّة ليست مرادة للمولى ، والتناقض هنا ، ليس بين الصورتين الذهنيتين ، بل بين المدلولين التصديقيين ، لأنّ هذه النكتة ، إنّما هي بلحاظ المدلول التصديقي للكلام ، إذا في مرحلة المدلول التصوري لا تناقض بينهما حيث لا مانع من تصورهما معا بما هما ، ولهذا ، لو صدر هذا الكلام من الحجر وقال : «أكرم كلّ فقير» ، و «لا تكرم فسّاق الفقراء» لا نقول بالتخصيص حينئذ بلحاظ المدلول التصوري ، ولا بلحاظ المدلول التصديقي ، لأنّ الأول كما عرفت ، إنه لا تناقض كي تهدم إحداهما الأخرى وأمّا الثاني فلأن التخصيص بلحاظ المراد الجدّي ، والمفروض انّه لا جدّية ، وحينئذ ، إذا لم تك هذه المخصصيّة في مرحلة المدلول التصوري ، بل هي راجعة إلى مرحلة المدلول التصديقي ، ـ أي المخصصيّة على النحو الثاني ـ حينئذ ، لا معنى لأن يقال : إنّ أداة العموم موضوعة لإفادة العموم وإخطاره تصورا ووضعا ما لم تقيّد بهذا المخصص ، لأنّ هذا يعني ، ربط المدلول التصوري لجزء من الكلام ، بمدلول تصديقي لجزء آخر من الكلام.
وقد ذكرنا سابقا ، إنّ هذه مغالطة ، وكشفنا وجهها.
وبهذا يتبرهن ، إنّ الجواب الأول رغم أنّه هو المعروف من المخصّصات المتصلة ، وأنها من باب التخصص ، إلّا أنّ الصحيح هو أنه إنّما يكون كذلك ، في المخصصات التقييديّة والاستثنائية من المتصلة ، لأنّ مخصّصيتها ثابتة في مرحلة المدلول التصوري دون المخصّصات المتصلة المستقلة ، لأنها ليست في تلك المرحلة.