قد يقال : ان هذا المخصّص لا يهدم أصل الظهور ، فإنّ الظهورات الثلاثة المتقدمة كلها موجودة ، وإنّما يهدم حجيّة هذه الظهورات ، لا أصلها ، بقرينة أنّ هذا المخصّص إذا فرض تحكيمه على العام ، فلا بدّ من أن نلتزم بعناية المجاز في العام ، وهي أنّ المتكلم استعمل العام في غير ما وضع له ، أو انّه استعمله في المعنى الموضوع له ، لكن لم يرده جدا بتمامه ، وهذا معنى أنّ المخصص لا يهدم الظهور ، وإلّا فلو كان يرفع الظهور لما كان هناك عناية ، لأنّ العناية إنّما تنشأ من الظهور ، إذ ما دام هناك عناية ، فهناك ظهور ، غاية الأمر ، انّ المخصص يرفع حجيّة هذا الظهور.
ولكن هذا الكلام ، ظهر بطلانه سابقا ، حيث بيّنّا انه لا عناية أصلا في المخصص المتصل ، باعتبار أنّ المستقر هو هزل غير مسكوت عنه ، ومن هنا كان المخصص المتصل هادما لأصل الظهور ، بخلاف موارد المخصص المنفصل ، فإنّ الثابت هو هزل مسكوت عنه ، ولذا كان المنفصل هادما للحجيّة ، لا لأصل الظهور ، وعليه فهذا الأصل الموضوعي صحيح ، وينطبق على جميع المخصّصات المتصلة بأقسامها الثلاثة.
وإن شئت قلت : إنّه إن كان المخصّص من قبيل القسم الثالث ، فهل يهدم ظهور العام ، أم يهدم حجيته؟.
قد يقال إنّه يهدم حجيّته ، بقرينة انّه لو فرض تحكيمه على العام ، فلا بدّ من الالتزام بعناية في العام ، وهي إمّا عناية المجاز ـ أي استعمال العام في غير ما وضع له ـ أو عناية انه استعمله في المعنى الموضوع له ، لكن لم يرده جدا بتمامه ، وهذا معنى انّه لا يهدم الظهور ، وإلّا لو كان يرفع الظهور لما كان معنى لوجود العناية ، إذ ما دام هناك عناية ، فهناك ظهور ، غاية الأمر هي ، أنّ المخصص يرفع حجية هذا الظهور.
ولكن قد ظهر بطلان هذا الكلام ، حيث أوضحنا سابقا انه لا عناية أصلا في المخصص المتصل ، وفسّرنا الوجدان القاضي بعدمها ، حيث قلنا : إنّ دلالة اللفظ التصورية على العموم محفوظة ، كما أنّ اللفظ استعمل في