ب ـ الدال الثاني : هو القرينة الأخرى.
وحينئذ نقول : إن أداة ، كل ، تفيد العموم الاستغراقي ، وقد أخذ في موضوعها الدال الأول ـ وهو مقدمات الحكمة ـ وأمّا الدال الثاني الذي دلّ على الاستغراقية وهو : ـ القرينة ـ فليست دلالة الأداة ـ «كل» ـ على الاستغراقية في طوله ، بل هي في عرضه ، ومعه يمكن أن تكون كل مؤكدة (١) ولا لغوية في المقام.
والخلاصة : هي أن الطولية إنما هي بين الاستيعاب والإطلاق وهو كون المدخول غير مقيد ، وأمّا خصوصية شمولية الإطلاق ، فهي مستفادة بدال آخر ولو كان قرينة عامة ، من قبيل وقوعه موضوعا للحكم فالنتيجة هي أن خصوصية البدلية أو الشمولية إنما تستفاد في المطلقات من دال آخر ، عقلي أو عرفي كما عرفته سابقا ، بينما الاستيعاب المفاد بالأداة ليس في طول الدال على هذه الخصوصية ، بل هو في عرضه فيمكن أن تكون مؤكدة له ، وبذلك ترتفع اللغوية.
ويدفع ثالثا : بأن يقال : إنّ قولنا : «أكرم كل عالم» ، فيه الحكم المستفاد من «أكرم» ، و «كل» ، متعلّق الحكم ، و «عالم» ، متعلق «كل». ونحن إنما نجري مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق في عالم. الذي هو متعلق كل والتي هي بدورها متعلق للحكم ، ولا نريد أن نثبت بها إطلاق عالم بلحاظ كونه متعلقا للحكم ، ليقال : بأن كون كل دالة على العموم ، يلزم منه اللغوية. وهكذا فقد تخيّل المستشكل ، ان الإطلاق الجاري في مفهوم عالم ، إطلاق بلحاظ الحكم مباشرة مع أنه إطلاق فيه بما هو معروض للاستيعاب.
وهذا وإن كان تطويلا للمسافة ، ولكنه صورة ذهنية أخرى ، يكون موضوع الحكم فيه هو العموم ، غايته أن الإطلاق لوحظ في مدخوله.
وهذا جانب آخر لرفع اللغوية في الوضع والاستعمال بلحاظ ما هو
__________________
(١) قوانين الأصول ـ ج ١ ـ ص ١٩٧.