ولكن حينئذ سوف نواجه دليلين ينبغي أن نحسب حساب التوفيق بينهما.
وتوضيح ذلك هو ، إنّنا تارة ننظر إلى خطاب «أوفوا بالعقود» الناظر إلى الحكم الواقعي القطعي ، وإلى خطاب ، «عقد المزابنة باطل» ، الناظر للحكم الواقعي الواصل بالظن ، فنرى انّ هذين الخطابين ليسا متعارضين ، لأنّ أحدهما قرينة ، والآخر ، ذو قرينة ، وفي مقام الكشف عن الواقع لا تعارض القرينة ذا القرينة ، بل تقدم عليه.
وأخرى ننظر إلى دليل الحجية في كل منهما ، فنرى انّ خطاب «أوفوا بالعهود» ، إنّما تمسكنا بعمومه ببركة دليل حجية الظهور الراجع إلى اصالة العموم وعدم التخصيص ، كما انّ الخبر القائل بأنّ عقد المزابنة باطل ، إنّما تمسّكنا به لأجل دليل حجية الخبر الواحد الذي عبّدنا بصدور هذا الخبر عن المعصوم عليهالسلام.
إذن ، أمامنا حينئذ دليلان ، دليل حجية العموم ، ودليل حجية السند ، فلا بدّ من أن نرى ميزان هذين الدليلين.
وهذان الدليلان وإن كان كل منهما حجة بالفعل ، لكن لا يعقل إعمالهما معا ، كما هو واضح ، بل لا بدّ من سقوط أحدهما ، إذن ، فهنا لا معنى للتمسك بمسألة القرينة وذي القرينة ، لأنه لا أخصيّة بين هذين الدليلين ليكون أحدهما قرينة على الآخر بالأخصيّة ، وإنّما الأخصيّة هنا بين نفس الخطابين لا بين دليلهما ، إذن فنحتاج إلى حساب جديد غير حساب الأخصيّة لنرى أيّ الدليلين يقدم على الآخر ، حيث انّه قد يقال : إن دليل حجية العموم ـ وهو اصالة عدم التخصيص واصالة العموم ـ يكذّب دليل حجية السند ، لأنّه يقول حسب الفرض ، الأصل عدم التخصيص ، ودليل حجيّة خبر الثقة ، يقول : ورد مخصّص ، إذن فهنا أمارتان متعارضتان ، وكل منهما حجة في نفسه ، ولا معنى للقرينية هنا ، وحينئذ ، يتعارضان ويتساقطان.
وهذه الحيثيّة قد عالجناها في بحث الجمع العرفي في تعارض الأدلة